للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجنة ليأْمن الخائف ويفرح الحزين ويظفر الآمل.

والدرجة الثانية: شوق إلى الله [عز وجل] زرعه الحب الذى ينبت على حافات المنن تعلق قلبه بصفاته المقدسة واشتاق إلى معانيه لطائف كرمه وآيات بِرّهِ وعلامة فضله. وهذا شوق تغشاه المبار، وتخالجه المسار ويقارنه الاصطبار. والدرجة الثالثة: نار أضرمها صفو المحبة فنغصت العيش وسلبت السلو، ولم ينهنهها مقر دون اللقاءِ".

قلت: الدرجة الأولى هى شوق إلى فضل الله وثوابه. والثانية: شوق إلى لقائه ورؤيته. والثالثة: شوق إليه لا لعلة ولا لسبب ولا ملاحظة فيه غير ذاته.

فالأول: حظ المشتاق من إفضاله وإنعامه، والثانى: حظه من لقائه ورؤيته، والثالث: قد فنيت فيه الحظوظ واضمحلت فيه الأقسام.

وقوله فى الدرجة الأُولى: "ليأْمن الخائف ويفرح الحزين ويظفر الآمل" هذه ثلاث فوائد ذكرها فى هذا الشوق:

أمن الخائف، وفرح الحزين، والظفر [بالأمل] . فهذه المقاصد لما كانت حاصلة بدخول الجنة كانت مصورة للنفس أشد الشوق لها حصول هذه المطالب وهى الفوز والفرح.

وجماع ذلك أمران: أحدهما: النجاة من كل مكروه، والثانى: الظفر بكل محبوب. فهذان هما المشوقان إلى الجنة.

وقوله فى الثانية: "شوق إلى الله سبحانه وتعالى زرعه الحب" قد تقدم أن الشوق ثمرة الحب.

وقوله: "الذى ينبت على حافات المنن" أى أنشأه الفكر فى منن الله [تعالي] وأياديه وأنعامه المتواترة، وفيه إشارة إلى أن هذا الحب الذى هو نابت على الحافات والجوانب بعده حب أكمل منه وهو الحب الناشيء من شهود كمال الأسماء والصفات، وذلك ليس من نبات الحافات، ولكن من الحب الأول يدخل فى هذا كما تقدم، ولهذا قال: "تعلق قلبه بصفاته المقدسة".

وقوله: "اشتاق إلى معاينة لطائف كرمه وآيات بره وعلامة فضله" يشير به إلى ما يكرم الله به عبده من أنواع كراماته التى يستدل بها على أنه مقبول عند ربه ملاحظ بعنايته، وأنه قد استخدمه وكتبه فى ديوان أوليائه وخواصه.

ولا ريب أن العبد متى شاهد تلك العلامات والآيات قوى قلبه وفرح بفضل ربه وعلم [أنه] أهل فطاب له السير ودام اشتياقه وزالت عنه العلل، وما لم ينعم عليه بشيء من ذلك لم يزل كئيباً حزيناً خائفاً أن يكون ممن لا يصلح لذلك الجناب ولم يصل لتلك المنزلة.

وقوله: "وهذا شوق تغشاه المبارّ" هى جمع مبرة وهى البر، أى أن هذا الشوق

<<  <   >  >>