للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهو "الله، الله" أفضل من الذكر بالجملة المركبة كقوله: "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر"، وهذا فاسد مبنى على فاسد. فإن الذكر بالاسم المفرد غير مشروع أصلاً، ولا مفيد شيئاً، ولا هو كلام أصلاً، ولا يدل على مدح ولا تعظيم، ولا يتعلق به إيمان، ولا ثواب ولا يدخل به الذاكر فى عقد الإسلام جملة.

فلو قال الكافر: "الله، الله" من أول عمره إلى آخره لم يصر بذلك مسلماً فضلاً عن أن يكون من جملة الذكر [أو يكون أفضل الأذكار وبالغ بعضهم فى ذلك حتى قال الذكر] بالاسم المضمر أفضل من الذكر [بالاسم الظاهر، يذكر بقوله [هو، هو أفضل من الذكر] بقولهم: "الله، الله"، وكل هذا من أنواع الهوس والخيالات الباطلة المفضية بأهلها إلى أنواع من الضلالات، فهذا فساد هذا البناءِ الهائر، وأما فساد المبنى عليه فإنهم ظنوا أن قوله تعالى: {قُلِ اللهُ} [الأنعام: ١٩] ، أى قل هذا الاسم، فقل: الله الله، وهذا من عدم فهم القوم لكتاب الله، فإن اسم الله هنا جواب لقوله: {قُلِ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِى جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَه قَرَاطِيس تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً} [الأنعام: ٩١] ، إلى أن قال: {قُلِ اللهُ} ، أى قل: الله أنزله: فإن السؤال معاد فى الجواب فيتضمنه فيحذف اختصاراً كما يقول: من خلق السموات والأرض؟ فيقال: الله. أى الله خلقهما، فيحذف الفعل لدلالة السؤال عليه، فهذا معنى الآية الذى لا تحتمل غيره.

قوله: "وإنما زهدهم جمع [الهمة] عن تعريفات الكون لأَن الحق عافاهم بنور الكشف عن التعلق بالأَحوال" فيقال: الكشف الذى أوجب لهم هذا الجمع وقطع هذا التعلق هو الكشف الإيمانى القرآنى فهو فى الحقيقة الكشف النافع الجاذب لصاحبه إلى سلوك منازل الأبرار والوصول إلى مقامات القرب، ولا سيما إذا قارنه الكشف عن عيوب النفس وعلى الأعمال، فناهيك به من كشف.

والكرامة المرتبة عليه هى لزوم الاستقامة ودوام العبودية، فهذا أفضل كشف يعطاه العبد، وهذه أفضل كرامة يكرم بها الولى. رزقنا الله من فضله وبره.

وأما استشهاده بقوله تعالى: {إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدّارِ} [ص: ٦٤] فهذه الآية يخبر فيها سبحانه عما أخلص له أنبياؤه ورسله من اختصاصهم بالآخرة، وفيها قولان: أحدهما أن المعنى نزعنا من قلوبهم

<<  <   >  >>