الطبقة الرابعة: ورثة الرسل وخلفاؤهم فى أُممهم، وهم القائمون بما بعثوا به علماً وعملاً ودعوة للخلق إلى الله، على طرقهم ومنهاجهم، [ولهذا أفضل مراتب الخلق بعد الرسالة والنبوة وهى مرتبة الصديقيه] قرنهم الله فى كتابه بالأنبياء فقال تعالى: {وَمَنْ يُطِع الله والرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحُسْنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً}[النساء:٦٩] ، فجعل درجة الصديقية معطوفة على درجة النبوة وهؤلاء هم الربانيون، وهم الراسخون فى العلم، وهم الوسائط بين الرسول صلى الله عليه وسلم وأُمته، فهم خلفاؤه وأولياؤه وحزبه وخاصته وحملة دينه وهم المضمون لهم أنهم لا يزالون على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأْتى أمر الله وهم على ذلك، وقال الله تعالى:{وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ، وَالشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ}[الحديد: ١٩] ، وقيل: إن الوقف على قوله تعالى: {هُمُ الصِّدِّيقُونَ} ثم يبتديءُ "وَالشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِمْ"، فيكون الكلام جملتين أخبر فى إحداهما عن المؤمنين بالله ورسله أنهم هم الصديقون والإيمان التام يستلزم العلم والعمل والدعوة إلى الله بالتعليم والصبر عليه، وأخبر فى الثانية أن الشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم، ومرتبة الصديقين فوق مرتبة الشهداءِ، ولهذا قدمهم عليهم فى الآيتين، هنا وفى سورة النساء، وهكذا جاءَ ذكرهم مقدماً على الشهداءِ فى كلام النبى صلى الله عليه وسلم فى قوله:"اثبت أُحد فإنما عليك نبى وصديق وشهيد، ولهذا كان نعت الصديقية وصفاً لأفضل الخلق بعد الأنبياء والمرسلين [أبو] بكر الصديق [رضى الله عنه] ولو كان بعد النبوة درجة أفضل من الصديقية لكانت نعتاً له رضى الله عنه، وقيل: إن الكلام كله جملة واحدة وأخبر عن المؤمنين بأنهم هم الصديقون والشهداءُ عند ربهم، وعلى هذا فالشهداء هم الذين يستشدهم الله على الناس يوم القيامة وهو قوله تعالى:{لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}[البقرة: ١٤٣] ، وهم المؤمنون، فوصفهم بأنهم صديقون فى الدنيا وشهداءُ على الناس يوم القيامة، ويكون الشهداء وصفاً لجملة المؤمنين الصديقين، وقيل: الشهداء هم الذين قتلوا فى سبيل الله، وعلى هذا القول يترجح أن يكون الكلام جملتين ويكون قوله: "والشهداءُ" مبتدأ خبره ما بعده، لأنه ليس كل مؤمن صديق شهيداً فى سبيل الله.