ويرجحه أيضاً أنه لو كان الشهداء داخلاً فى جملة الخبر [عند المؤمنين] لكان قوله تعالى: {لَهُم أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ}[الحديد: ١٩] داخلاً [أيضاً] فى جملة الخبر عنهم ويكون قد أخبر عنهم بثلاثة أشياء: أحدها: أنهم هم الصديقون، والثانى: أنهم هم الشهداءُ، والثالث: أن لهم أجرهم ونورهم، وذلك يتضمن عطف الخبر الثانى على الأول، ثم ذكر الخبر الثالث مجرداً عن العطف، وهذا كما تقول: زيد كريم وعالم له مال والأحسن فى هذا تناسب الأخبار بأن تجردها كلها من العطف أو تعطفها جميعاً فتقول: زيد كريم عالم له مال، أو كريم وعالم وله مال فتأمله.
ويرجحه أيضاً أن الكلام يصير جملاً مستقلة قد ذكر فيها أصناف خلقه السعداء وهم الصديقون [والشهداء والصالحون وهم المذكورون فى الآية وهم المتصدقون] الذين أقرضوا الله قرضاً حسناً، فهؤلاد ثلاثة أصناف ثم ذكر الرسل فى قوله تعالى:{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ}[الحديد: ٢٥] ، فيتناول ذلك الأصناف الأربعة المذكورة فى سورة النساء، فهؤلاء هم السعداء، ثم ذكر الأشقياء وهم نوعان: كفار، ومنافقون، فقال تعالى:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}[الحديد: ١٩] ، وذكر المنافقون فى قوله تعالى:{يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُورِكُمْ}[الحديد: ١٣] ، فهؤلاء أصناف العالم كلهم، وترك سبحانه وتعالى ذكر المخلط صاحب الشائبتين على طريقة القرآن فى ذكر السعداء والأشقياء دون [المخلصين] غالباً لسر اقتضته حكمته [سبحانه وتعالى] .
فليحذر صاحب التخليط، فإنه لا ضمان له على الله، ولا هو من أهل وعده المطلق، ولا ييأس من روح الله فإنه ليس من الكفار الذين قطع لهم بالعذاب، ولكنه بين الجنة والنار واقف بين الوعد والوعيد كل منهما يدعوه إلى موجبه لأنه أتى بسببه. وهذا هو الذى لحظه القائلون بالمنزلة بين المنزلتين، ولكن غلطوا فى تخليده فى النار، ولو نزلوه منزلة بين المنزلتين ووكلوه إلى المشيئة وقالوا بأنه يخرج من النار بتوحيده وإيمانه لأصابوا، ولكن منزلة بين منزلتين وصاحبهما مخلد فى النار مما لا يقتضيه عقل ولا سمع،
بل النصوص الصريحة المعلومة الصحة تشهد ببطلان قولهم