النفوس ضنت بحياتها وبقائها فقال:{ذَلِكُمْ خَيرٌ لَكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} يعنى أن الجهاد خير لكم من قعودكم للحياة والسلامة، فكأنها قالت: فما لنا فى الجهاد من الحظ؟ فقال:{يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبِكُمْ} ، مع المغفرة:{يُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِى جَنَّاتِ عَدْنِ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[الصف: ١٢] ، فكأنها قالت: هذا فى الآخرة فما لنا فى الدنيا؟ فقال:{وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}[الصف: ١٣] .
[فلله] ما أحلى هذه الألفاظ وما ألصقها بالقلوب وما أعظمها جذباً لها وتسييراً إلى ربها، وما ألطف موقعها من قلب كل محب، وما أعظم غنى القلب وأطيب عيشه حين تباشره معانيها، فنسأل الله من فضله إنه جواد كريم.
ومن هذا قوله تعالى:{أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمِنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِى سَبِيلِ الله لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ، وَاللهُ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينْ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِى سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرجَةً عِندَ اللهِ، وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ خَالِدِينَ فِيهَا أَبداً إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}[التوبة: ١٩- ٢٢] ، فأخبر سبحانه وتعالى أنه لا يستوى عنده عمار المسجد الحرام، وهم عماره بالاعتكاف والطواف والصلاة، هذه هى عمارة مساجده المذكورة فى القرآن، وأهل سقاية الحاج لا يستوون هم وأهل الجهاد فى سبيل الله، وأخبر أن المؤمنين المجاهدين أعظم درجة عنده وأنهم هم الفائزون، وأنهم أهل البشارة بالرحمة والرضوان والجنات فنفى التسوية بين المجاهدين وعمار المسجد الحرام مع أنواع العبادة مع ثنائه على عمارة بقوله تعالى:{إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاة وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَى إِلا اللهَ، فَعَسَى أُولَئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ المُهْتَدِينَ}[التوبة: ١٨] ، فهؤلاءِ هم عمار المساجد، ومع هذا فأهل الجهاد أرفع درجة عند الله منهم. وقال تعالى: {لا يَسْتَوِى القَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِى الضَرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّل اللهَ المُجَاهِدِينَ