بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً، وَكُلا وَعَدَ الله الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً} [النساء: ٩٥- ٩٦] ، فنفى سبحانه وتعالى التسوية بين المؤمنين القاعدين عن الجهاد وبين المجاهدين، ثم أخبر عن تفضيل المجاهدين على القاعدين درجة ثم أخبر عن تفضيلهم عليهم درجات.
وقد أشكل فهم هذه الآية على طائفة من الناس من جهة أن القاعدين الذين فضل عليهم المجاهدون بدرجات إن كانوا هم [أهل الضرر والقاعدون الذين فضل عليهم المجاهدون بدرجات هم أولو] الضرر فيكون المجاهدون أفضل من القاعدين مطلقاً، وعلى هذا فما وجه استثناءِ أُولى الضرر من القاعدين وهم لا يستوون والمجاهدين أصلاً؟
فيكون حكم المستثنى والمستثنى منه واحداً، فهذا وجه الإشكال، ونحن نذكر [ما قاله فى الأية ثم نذكر] ما يزيل الإشكال بحمد الله، فاختلف القراءُ فى إعراب "غير"، فقريء رفعاً ونصباً وهما فى السبعة، وقريء بالجر فى غير السبعة وهى قراءَة أبى حيوة، فأما قراءَة النصب فعلى الاستثناءِ لأن غيراً يعرب فى الاستثناء إعراب الاسم الواقع بعد إلا وهو النصب، هذا هو الصحيح.
وقالت طائفة: إعرابها نصب على الحال، أى لا يستوى القاعدون غير مضرورين، أى لا يستوون فى حال صحتهم هم والمجاهدون، والاستثناء أصح، فإن "غير" لا تكاد تقع حالاً فى كلامهم إلا مضافة إلى نكرة كقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ}[البقرة: ١٧٣][الأنعام: ١٤٥][النحل: ١١٥] ، وقوله عَزَّ وجَلَّ فى أول المائدة:{أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلا مَا يُتلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّى الصَّيْدِ}[المائدة: ١]
وقوله صلى الله عليه وسلم:"مرحباً بالوفد غير خزايا ولا ندامى".
فإن أضيفت إلى معرفة كانت تابعة لما قبلها، كقوله تعالى:{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} ولو قلت: مرحباً بالوفد غير الخزايا ولا الندامى، لجررت غير، هذا هو المعروف من كلامهم والكلام فى عدم تعرف غير بالإضافة وحسن وقوعها إذ ذاك حالاً له مقام آخر. وأما الرفع فعلى النعت للقاعدين، هذا هو الصحيح.
وقال أبو إسحاق وغيره: هو خبر مبتدإٍ محذوف تقديره هم غير أولى الضرر، والذى حمله على هذا ظنه أن غيراً لا تقبل التعريف بالإضافة فلا تجرى صفة للمعرفة، وليس مع من ادعى