للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك حجة يعتمد عليها سوى [قولهم] أن غيراً توغلت فى الإبهام فلا تتعرف بما يضاف إليه.

وجواب هذا أنها إذا دخلت بين [ن] تقابلين لم يكن فيها إبهام لتعيينها ما تضاف إليه، وأما قراءة الجر ففيها وجهان أيضاً: أحدهما- وهو الصحيح- أنه نعت للمؤمنين، والثانى- وهو قول المبرد- أنه بدل منه، بناءً على أنه نكرة فلا تنعت به المعرفة.

وعلى الأقوال كلها فهو مفهوم معنى الاستثناء، وإن نفى التسوية غير مسلط على ما أُضيف إليه غيره، وقوله: {فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرجَةَ} [النساء: ٩٥] ، هو مبين لمعنى نفى المساواة. قالوا: والمعنى فضل الله [المجاهدين] على [القاعدين] من أُولى الضرر درجة واحدة لامتيازه عنه بالجهاد بنفسه وماله. ثم أخبر سبحانه وتعالى أن الفريقين كليهما موعود بالحسنى فقال: {وَكُلا وَعَدَ الله الْحُسْنَى} [النساء: ٩٥] أى المجاهد والقاعد المضرور، لاشتراكهما فى الإيمان.

قالوا: وفى هذا دليل على تفضيل الغنى المنفق على الفقير، لأن الله [سبحانه] أخبر أن المجاهد بماله ونفسه أفضل من القاعد وقدم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس، وأما الفقير فنفى عنه الحرج بقوله: {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قلت لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} [التوبة: ٩٢] ، فأين مقام من حكم له بالتفضيل إلى مقام من نفى عنه الحرج.

قالوا: فهذا حكم القاعد من أولى الضرر والمجاهد، وأما القاعد من غير أولى الضرر فقال [سبحانه] : {وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجراً عَظِيماً درجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَّحِيماً} [النساء: ٩٥- ٩٦] ، وقوله: {دَرَجَاتٍ} قيل: هو نصب على البدل من قوله {أجراً عظيماً} ، وقيل: تأكيد له وإن كان بغير لفظه، لأنه هو فى المعنى، قال قتادة: كان يقال: الإسلام درجة، والهجرة فى الإسلام درجة والجهاد فى الهجرة درجة، والقتل فى الجهاد درجة.

وقال ابن زيد: الدرجات التى فضل الله [الجهاد] بها المجاهد على القاعد سبع، وهى التى ذكرها الله تعالى إذ يقول تعالي: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِى سَبِيلِ اللهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدو نَيْلاً إِلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ، إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [التوبة: ١٢٠] ، فهذه خمس ثم قال: {وَلا يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيْرَةً ولا يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلا كُتِبَ لَهُمْ} [التوبة: ١٢١] به عمل صالح، فهاتان اثنتان، وقيل: الدرجات

<<  <   >  >>