فهذه الدرجات الثلاث هى درجات السبق، أعنى درجة العلم والعدل والجهاد وبها سبق الصحابة [رضى الله عنه] وأدركوا من قبلهم وفاتوا من بعدهم واستولوا على الأمد البعيد وحازوا قصبات العلى، وهم كانوا السبب فى [بلوغ] الإسلام إلينا وفى تعليم كل خير وهدى وسبب تنال به السعادة والنجاة، وهم أعدل الأُمة فيما ولوه، وأعظمها جهاداً فى سبيل الله.
والأُمة فى آثار علمهم وعدلهم وجهادهم إلى يوم القيامة، فلا ينال أحد منهم مسألة علم نافع إلا على أيديهم ومن طريقهم ينالها، ولا يسكن بقعة من الأرض آمناً إلا بسبب جهادهم وفتوحهم، ولا يحكم إمام ولا حاكم بعدل وهدى إلا كانوا هم السبب فى [وصوله] إليه، فهم الذين فتحوا البلاد بالسيف والقلوب بالإيمان وعمروا البلاد بالعدل والقلوب بالعلم والهدى، فلهم من الأجر بقدر أجور الأُمة إلى يوم القيامة مضافاً إلى أجر أعمالهم التى اختصوا بها، فسبحان من يختص بفضله ورحمته من يشاءُ وإنما نالوا هذا بالعلم والجهاد والحكم بالعدل، وهذه مراتب السبق التى يهبها الله لمن يشاءُ من عباده.
الطبقة السابعة: أهل الإيثار والصدقة والإحسان إلى الناس بأموالهم على اختلاف حاجاتهم ومصالحهم من تفريج كرباتهم ودفع ضروراتهم وكفايتهم فى مهماتهم وهم أحد الصنفين اللذين قال النبى صلى الله عليه وسلم فيهم: "لا حسد إلا فى اثنين: رجل آتاه الله الحكمة فهو يقضى بها ويعلمها الناس، ورجل آتاه الله مالاً وسلطه على هلكته فى الحق"، يعنى أنه لا ينبغى لأحد أن يغبط أحداً على نعمة ويتمنى مثلها، إلا أحد هذين، وذلك لما فيهما من منافع النفع العام والإحسان المتعدى إلى الخلق، فهذا ينفعهم بعلمه وهذا ينفعهم بماله، والخلق كلهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله.
ولا ريب أن هذين الصنفين من أنفع الناس لعيال الله، ولا يقوم أمر الناس إلا بهذين الصنفين ولا يعمر العالم إلا بهما، قال تعالى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِى سَبِيلِ الله ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أنفقوا مِنَّا وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ