عليه وإن كان معذوراً لأنه لا نية له تلحقه بالفاعل التام كنية أصحاب القسم الأول.
وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم فى حديث عثمان ابن مظعون:"إن الله قد أوقع أجره على قدر نيته"، فلما كان القسم المعذور فيه هذا التفصيل لم يجز أن يساوى بالمجاهد مطلقاً، ولا ينفى عنه المساواة مطلقاً، ودلالة المفهوم لا عموم لها، فإن العموم إنما هو من أحكام الصيغ العامة وعوارض الألفاظ.
والدليل الموجب للقول بالمفهوم لا يدل على أن له عموماً يجب اعتباره.
فإن أدلة المفهوم ترجع إلى شيئين: أحدهما التخصيص، والآخر التعليل.
فأما التخصيص فهو أن تخصيص الحكم بالمذكور يقتضى نفى الحكم عما عداه وإلا بطلت فائدة التخصيص، وهذا لا يقتضى العموم وسلب حكم المنطوق عن جميع صور المفهوم لأن فائدة التخصيص قد تحصل بانقسام صور المفهوم إلى ما يسلب الحكم عن بعضها ويثبت لبعضها ثبوت تفصيل فيه، فيثبت له حكم المنطوق على وجه دون وجه، إما بشرط لا تجب مراعاته فى المنطوق، وإما فى وقت دون وقت، بخلاف حكم المنطوق فإنه ثابت أبداً، ونحو ذلك من فوائد التخصيص.
وإذا كانت فائدة التخصيص حاصلة بالتفصيل والانقسام فدعوى لزوم العموم من التخصيص دعوى باطلة فإثباته [بمجرد] التحكم، وأما التعليل فإنهم قالوا: ترتيب الحكم على هذا الوصف المناسب له يقتضى نفى الحكم عما عداه وإلا لم يكن الوصف المذكور علة.
وهذا أيضاً لا يستلزم عموم النفى عن كل ما عداه، وإنما غايته اقتضاؤه نفى الحكم المرتب على ذلك الوصف عن الصور المنفى عنها الوصف، وأما نفى الحكم جملة فلا تجوز ثبوته بوصف آخر وعلة أُخرى، فإن الحكم الواحد بالنوع يجوز تعليله بعلل مختلفة، وفى الواحد بالعين كلام ليس هذا موضعه.
ومثال هذا ما نحن فيه [فإن] قوله تعالى: {لا يَسْتَوِى الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرِ أُولِى الضَرَّرِ وَالُْمُجاهِدُونَ}[النساء: ٩٥] لا يدل على مساواة المضرورين [للمجاهدين] مطلقاً من حيث الصورة، بل إن ثبتت المساواة فإنها معللة بوصف آخر وهى النية الجازمة والعزم التام، والضرر المانع من الجهاد فى ذلك الحال لا يكون [مانعاً] من المساواة فى الأجر، والله أعلم.
والمقصود الكلام على طبقات الناس فى الآخرة. وأما النصوص والأدلة الدالة على فضل الجهاد وأهله فأكثر من أن تذكر هنا ولعلها أن تفرد فى كتاب على هذا