قاعدة الشريعة أن العزم التام إذا اقترن به ما يمكن من الفعل أو مقدمات الفعل نزل صاحبه فى الثواب والعقاب منزلة الفاعل التام كما دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم:"إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول فى النار"، قالوا: هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال:"إنه كان حريصاً على قتل صاحبه".
وفى الترمذى ومسند الإمام أحمد من حديث أبى كبشة الأنمارى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالاً وعلماً، فهو يتقى فى ماله ربه ويصل به رحمه، ويعلم لله فيه حقاً، فهذا بأحسن المنازل [عند الله] ، وعبد رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً، فهو يقول: لو أن لى مالاً لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته، وهما فى الأجر سواءٌ، وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علماً، فهو لا يتقى فى ماله ربه، ولا يصل به رحمه، ولا يعلم لله فيه حقاً، فهذا بأسوإِ المنازل عند الله، وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علماً فهو يقول: لو أن لى مالاً لعملت بعمل فلان، فهو بنيته، وهما فى الوزر سواءٌ"، فأخبر صلى الله عليه وسلم أن وزر الفاعل والناوى الذى ليس مقدوره إلا بقوله دون فعله سواءٌ، لأنه أتى بالنية ومقدوره التام، وكذلك أجر الفاعل والناوى الذى اقترن قوله بنيته. وكذلك المقتول الذى سل السيف وأراد به قتل أخيه المسلم فقتل، نزل منزلة القاتل لنيته التامة التى اقترن بها مقدورها من السعى والحركة.
ومثل هذا قوله صلى الله عليه وسلم:"من دل على خير فله مثل أجر فاعله"، فإن بدلالته ونيته نزل منزلة الفاعل. ومثله:"من دعا إلى هدى فله مثل أُجور من اتبعه"، ومن دعا إلى ضلالة عليه من الوزر مثل آثام من تبعه لأجل نيته واقتران مقدورها بها من الدعوة، ومثله:"إذ جاءَ المصلى إلى المسجد ليصلى جماعة فأدركهم وقد صلوا فصلى وحده كتب له مثل أجر صلاة الجماعة بنيته وسعيه"، كما قد جاءً مصرحاً به فى حديث مروي.
ومثل هذا من كان له ورد يصليه من الليل فنام ومن نيته أن يقوم إليه فغلب عينه نوم كتب له أجر ورده، وكان نومه عليه صدقة، ومثله المريض والمسافر إذا كان له عمل يعمله، فشغل عنه بالمرض والسفر كتب له مثل عمله وهو صحيح مقيم، ومثله:"من سأل الله الشهادة بصدق بلغة الله، منازل الشهداءِ ولو مات على فراشه"، ونظائر ذلك كثيرة.
والقسم الثانى معذور ليس من نيته الجهاد، ولا هو عازم عليه عزماً تاماً، فهذا لا يستوى هو والمجاهد فى سبيل الله، بل قد فضل الله المجاهدين