للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

َجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الحجرات: ٢] ، وقد تقدم الكلام على هذه المسألة فى أول الرسالة فلا حاجة إلى إعادته.

وقد يقال: إن المن والأذى المقارن للصدقة هو الذى يبطلها دون ما يلحقها بعدها، إلا أنه ليس فى اللفظ ما يدل على هذا التقييد والسياق يدل على إبطالها به مطلقاً. وقد يقال: تمثيله بالمرائى الذى لا يؤمن بالله واليوم الآخر يدل على أن المن والأذى المبطل هو المقارن كالرياءِ وعدم الإيمان، فإن الرياءَ لو تأخر عن العمل لم يبطله.

ويجاب عن هذا بجوابين: أحدهما: أن التشبيه وقع فى الحال التى يحبط بها العمل، وهى حال المرائى والمانّ المؤذى فى أن كل واحد منهما يحبط العمل. الثانى: أن الرياءَ لا يكون إلا مقارناً للعمل، لأنه "فعال" من الرؤية التى صاحبها يعمل ليرى الناس عمله فلا يكون متراخياً، وهذا [خلاف] المن والأذى فإنه يكون مقارناً ومتراخياً، وتراخيه أكثر من مقارنته.

وقوله: {كَالَّذِى يُنفِقُ إما أن يكون المعنى كإبطال الذى ينفق فيكون شبه الإبطال بالإبطال، أو المعنى لا تكونوا كالذى ينفق ماله رئاءَ الناس، فيكون تشبيها للمنفق بالمنفق. وقوله: {فَمَثَلُهُ} أى مثل هذا المنفق الذى قد بطل ثواب نفقته: {كَمَثَلَ صَفْوَانٍ} وهو الحجر الأملس، وفيه قولان: أحدهما: أنه واحد، والثانى: جمع صفوة، " عَلَيْهِ تُرَابٌ فأَصَابَهُ وابِلٌ "وهو المطر الشديد، "فَتَرَكَهُ صَلْداً" وهو الأملس الذى لا شيء عليه من نبات ولا غيره وهذا من أبلغ الأمثال وأحسنها، فإنه يتضمن تشبيه قلب هذا المنفق المرائى- الذى لم يصدر إنفاقه عن [إيمانه] واليوم الآخر- بالحجر لشدته وصلابته وعدم الانتفاع به. وتضمن تشبيه ما علق به من أثر الصدقة بالغبار الذى علق بذلك الحجر، والوابل الذى أزال ذلك التراب عن الحجر فأذهبه بالمانع الذى أبطل صدقته وأزالها كما يذهب الوابل التراب الذى على الحجر فيتركه صلداً فلا يقدر المنفق على شيء من ثوابه لبطلانه وزواله.

وفيه معنى آخر: وهو أن المنفق لغير الله هو فى الظاهر عامل عملاً يرتب عليه الأجر [يزكوا] له كما تزكو الحبة التى إذا بذرت فى التراب الطيب أنبتت سبع سنابل فى كل سنبلة مائة حبة، ولكن وراءَ هذا الإنفاق مانع يمنع من نموه وزكائه كما أن تحت التراب حجراً يمنع من نبات ما يبذر من الحب فيه فلا ينبت ولا يخرج شيئاً ثم قال: {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ وَتَثْبِيتاً

<<  <   >  >>