للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَاللهُ غَنِى حَلِيمٌ} [البقرة: ٢٦٣] ، فأخبر [سبحانه] أن القول المعروف وهو الذى تعرفه القلوب ولا تنكره، والمغفرة وهى العفو عمن أساءَ إليك خير من الصدقة [المقرون] بالأذى. فالقول المعروف إحسان وصدقة بالقول، والمغفرة إحسان بترك المؤاخذة والمقابلة، فهما نوعان من أنواع الإحسان، والصدقة المقرونة بالأذى حسنة مقرونة بما يبطلها.

ولا ريب أن حسنتين خير من حسنة باطلة. [ويدخل فى هذا القول المعروف الرد الجميل على السائل والعدة الحسنة والدعاء والصالح له نحو ذلك] .

ويدخل فى المغفرة مغفرته للسائل إذا وجد منه بعض الجفوة والأذى بسبب رده، فيكون عفوه عنه خيراً من أن يتصدق عليه ويؤذيه هذا على المشهور من القولين فى الآية، والقول الثانى: أن المغفرة من الله، أى مغفرة لكم من الله بسبب القول المعروف والرد الجميل خير من صدقة يتبعها أذى. وفيها قول ثالث: أى مغفرة وعفو من السائل إذا رد وتعذر [المسؤول] خير من أن ينال بنفسه صدقة يتبعها أذى.

وأوصح الأقوال هو الأول، ويليه الثانى، والثالث ضعيف جداً لأن الخطاب إنما هو للمنفق المسؤول لا للسائل الآخذ والمعنى أن قول المعروف له والتجاوز والعفو خير لك من أن تتصدق عليه وتؤذيه. ثم ختم الآية بصفتين [مناسبتين] لما تضمنته فقال: {وَاللهُ غَنِى حَلِيمٌ} [البقرة: ٢٦٣] ، وفيه معنيان: أحدهما أن الله غنى عنكم لن يناله شيء من صدقاتكم، وإنما الحظ الأوفر لكم فى الصدقة فنفعها عائد عليكم لا إليه سبحانه وتعالى، فكيف يمنُّ بنفقته ويؤذى مع غنى الله التام عنها وعن كل ما سواه، ومع هذا فهو حليم إذ يعاجل المانّ بالعقوبة، وضمن هذا الوعيد [له] والتحذير. والمعنى الثانى: أنه سبحانه وتعالى مع غناه التام من وجه فهو الموصوف بالحلم والتجاوز والصفح، مع عطائه الواسع وصدقاته العميمة، فكيف يؤذى أحدكم بمنه وأذاه، مع قلة ما يعطى ونزارته وفقره.

ثم قال الله تعالى: {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِى يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ ولا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوًَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيءٍ مِمَّا كسَبُوا وَاللهُ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [البقرة: ٢٦٤] ، تضمنت هذه الآية الإخبار بأن المن والأذى يحبط الصدقة، وهذا دليل على أن الحسنة قد تحبط بالسيئة مع قوله تعالى: {يَا أَيَّهُا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صوْتِ النَّبِى وَلا تجهروا لَهُ بِالْقَوْلِ

<<  <   >  >>