للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ} [الكهف: ٣٤] ، وقد قيل: إن الثمار [هنا] وفى آية [البقرة: ٢٦٦] المراد بها المنافع والأموال، والسياق يدل على أنها الثمار المعروفة لا غيرها، لقوله هنا: {لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ} [البقرة: ٢٦٦] ، ثم قال تعالى: "فأَصَابَهَا "أى الجنة "إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ"، وفى [الكهف] : {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِى خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} [الكهف: ٤٢] ، وما ذلك إلا ثمار الجنة.

ثم قال تعالى: {وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ} هذا إشارة إلى شدة حاجته إلى جنته، وتعلق قلبه بها من وجوه، أحدها: أنه قد كبر سنه عن الكسب والتجارة ونحوها، الثانى: أن ابن آدم عند كبر سنه يشتد حرصه، الثالث: أن له ذرية فهو حريص على بقاءِ جنته لحاجته وحاجة ذريته، الرابع: أنهم ضعفاءُ فهم كل عليه لا ينفعونه بقوتهم وتصرفهم، الخامس: أن نفقتهم عليه، لضعفهم وعجزهم، [وهذه] نهاية ما يكون من تعلق القلب بهذه الجنة: لخطرها فى نفسها وشدة حاجته وذريته إليها.

فإذا تصورت هذه الحال وهذه الحاجة فكيف تكون مصيبة هذا الرجل إذا أصاب جنته إعصار- وهى الريح التى تستدير فى الأرض ثم ترتفع فى طبقات الجو كالعمود- وفيه نار مرت بتلك الجنة فأحرقتها وصيرتها رمادا ً، فصدق والله الحسن- هذا مثلٌ قلَّ من يعقله من الناس- ولهذا نبه سبحانه وتعالى على عظم هذا المثل، وحدا القلوب إلى التفكر فيه لشدة حاجتها إليه فقال تعالى: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} [البقرة: ٢٦٦] ، فلو فكر العاقل فى هذا المثل وجعله قبلة قلبه لكفاه وشفاه، فهكذا العبد إذا عمل بطاعة الله ثم أتبعها بما يبطلها ويفرقها من معاصى الله كانت كالإعصار ذى النار المحرق للجنة التى غرسها بطاعته وعمله الصالح، ولولا أن هذه المواضع أهم مما كلامنا بصدده- من ذكر مجرد الطبقات- لم نذكرها، ولكنها من أهم المهم، والله المستعان الموفق لمرضاته.

فلو تصور العامل بمعصية الله بعد طاعته هذا المعنى حق تصوره وتأمله كما ينبغى لما سولت له نفسه والله إحراق أعماله الصالحة وإضاعتها، ولكن لا بد أن يغيب عنه علمه [بذلك] عند المعصية، ولهذا استحق اسم الجهل فكل من عصى الله فهو جاهل.

فإن قيل: الواو فى قوله تعالى: "وَأصَابَهُ الْكِبَرُ "واو الحال، أم واو العطف؟

<<  <   >  >>