للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عمل بطاعة الله، ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصى حتى أغرق أعماله.

فقوله تعالى: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ} أخرجه مخرج الاستفهام الإنكارى، وهو أبلغ من النفى والنهى وألطف موقعاً، كما ترى غيرك يفعل فعلاً قبيحاً فنقول: لا يفعل هذا عاقل، لا يفعل هذا من يخاف الله والدار الآخرة. وقال تعالى: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ} بلفظ الواحد لتضمنه معنى الإنكار العام، كما تقول يفعل هذا أحد فيه خير؟ وهو أبلغ فى الإنكار من أن يقول أيودون. وقوله: "أَيَوَدُّ" أبلغ فى الإنكار من لو قيل: أَيريد، لأن محبة هذا الحال المذكورة وتمنيها أقبح وأنكر من مجرد إرادتها.

وقوله تعالى: {أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ} خص هذين النوعين من الثمار بالذكر لأنهما أشرف أنواع الثمار وأكثرها نفعاً، فإن منهما القوت والغذاءَ والدواءَ والشراب والفاكهة والحلو والحامض، ويؤكلان رطباً ويابساً، ومنافعهما كثيرة جداً.

وقد اختلف فى الأنفع والأفضل منهما فرجحت طائفة النخيل، ورجحت طائفة العنب وذكرت كل طائفة حججاً لقولها، فذكرناها فى غير هذا الموضع وفصل الخطاب أن هذا يختلف باختلاف البلاد، فإن الله سبحانه وتعالى أجرى العادة بأن سلطان أحدهما لا يحل حيث يحل سلطان الآخر، فالأرض التى يكون فيها سلطان النخيل لا يكون العنب بها طائلاً ولا كثيراً، لأنه إنما يخرج فى الأرض الرخوة اللينة المعتدلة غير السبخة فينمو فيها فيكثر، وأما النخيل فنموه وكثرته فى الأرض الحارة السبخة، وهى لا تناسب العنب، فالنخل فى أرضه وموضعه أنفع وأفضل من العنب فيها، والعنب فى أرضه ومعدنه أفضل من النخل فيها. والله أعلم.

والمقصود أن هذين النوعين هما أفضل أنواع الثمار وأكرمها، فالجنة المشتملة عليهما من أفضل الجنان، ومع هذا فالأنهار تجرى تحت هذه الجنة، وذلك أكمل لها وأعظم فى قدرها، ومع ذلك فلم تعدم شيئاً من أنواع الثمار المشتهاة بل فيها من كل الثمرات، ولكن معظمها ومقصودها النخيل والأعناب، فلا تنافى بين كونها من نخيل وأعناب، و {فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} [البقرة: ٢٦٦] ، ونظير هذا قوله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً} [الكهف: ٣٢] إلى قوله تعالى:

<<  <   >  >>