أخطأه لم يكن ليصيبه، وإن الكتاب الأول سيق بذلك قبل بدء الخليفة، فقد جف القلم بما يلقاه كل عبد، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط، ويشهد أن القدر ما أصابه إلا لحكمة اقتضاها اسم الحكيم جل جلاله وصفته الحكمة، وإن القدر قد أصاب مواقعه وحل في المحل الذي ينبغي له أن ينزل به، وأن ذلك أوجبه عدل الله وحكمته وعزته وعلمه وملكه العادل، فهو موجب أسمائه الحسنى وصفاته العلى، فله عليه أكمل حمد وأتمه، كما له الحمد على جميع أفعاله وأوامره، وإن كان حظ العبد من هذا القدر الذم فحق الرب تعالى منه الحمد والمدح، لأنه موجب كماله وأسمائه الحسنى وصفاته العلى، وهو موجب نقص العبد وجهله وظلمه وتفريطه، فاقتسم الرب والعبد الحظين في هذا القدر، وكان للرب سبحانه فيه الحمد والنعمة والفضل والثناء الحسن، والعبد حظه الذم واللوم والإساءة واستحقاق العقوبة.
استأثر الله بالمحامد والف ... ضل وولى الملامة الرجلا
ويتبين هذا المقام في أربع آيات. إحداها قوله تعالى:{مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} الثانية قوله: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} الثالثة قوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} الرابعة قوله تعالى: {وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْأِنْسَانَ كَفُورٌ} فمن نزل هذه الآيات على هذا الحكم علما ومعرفة وقام بموجبها إرادة وعزما وتوبة واستغفار فقد أدى عبودية الله في هذا الحكم، وهذا قدر زائد على مجرد التسليم والمسالمة، والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله.