للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقِ قِدَداً} [الجن: ١١] قال مجاهد: يعنون مسلمين وكافرين.

وقال الحسن والسدى: أمثالكم، فمنهم قدرية ومرجئة ورافضة. وقال سعيد ابن جبير: ألوانا شتى. وقال ابن كيسان: شيعاً وفرقاً. ومعنى الكلام: أصنافاً مختلفة ومذاهب متفرقة، ثم قيل فى إعراب الآية: {وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} [أى ومنا] قوم دون ذلك، فحذف الموصوف وأقام صفته مقامه كقوله: {وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} [الصافات: ١٦٤] ، أى إلا من له مقام معلوم، وكقوله: {وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ} [المائدة: ٤١] ، أى فريق سماعون، وكقوله: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلَمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [النساء: ٤٦] أى فريق يحرفون وكقوله على أظهر القولين: {وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ} [البقرة: ٩٦] أى فريق يود أحدهم، وقال الشاعر:

فظلوا ومنهم دمعه سابق لهم وآخر يذرى دمعة العين بالمهل

أى ومنهم من دمعه. وقولهم: {كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً} [الجن: ١١] بيان لقولهم: {مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} [الجن: ١١] أى كنا ذوى طرائق- وهى المذاهب- وأحدها طريقة وهى المذهب، والقدد جمع قدة، كقطعة وقطع وزناً ومعنى. وهى من القد وهو القطع وقيل: كنا فى اختلاف أحوالنا مثل الطرائق المختلفة فى اختلافها، وعلى هذا فالمعنى كنا طرائق قدداً وليس بشيء، وأضعف منه قول من قال: إن طرائق منصوب على الظرف، أى كنا فى طرق مختلفة كقوله: "عسل الطريق الثعلب"، وهذا مما لا يحمل عليه أفصح الكلام.

وقيل: المعنى كانت طرائقنا طرائق قدداً فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. وقال تعالى إخباراً عنهم: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّاالْقَاسِطُونَ} [الجن:٤٩] فالمسلمون الذين آمنوا بالله ورسوله منهم، والقاسطون الجائرون العادلون عن الحق، قال ابن عباس: هم الذين جعلوا لله أنداداً، يقال أقسط الرجل إذا عدل، فهو مقسط. ومنها: {وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات:٩] ، وقسط إذا جار فهو قاسط، {وَأَمَّا القَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهنَّمَ حَطَباً} [الجن: ١٥] ، قد تضمنت هذه الآيات انقسامهم إلى ثلاث طبقات: صالحين، ودون الصالحين، وكفار. وهذه

<<  <   >  >>