وقال الحسن والسدى: أمثالكم، فمنهم قدرية ومرجئة ورافضة. وقال سعيد ابن جبير: ألوانا شتى. وقال ابن كيسان: شيعاً وفرقاً. ومعنى الكلام: أصنافاً مختلفة ومذاهب متفرقة، ثم قيل فى إعراب الآية:{وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ}[أى ومنا] قوم دون ذلك، فحذف الموصوف وأقام صفته مقامه كقوله:{وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ}[الصافات: ١٦٤] ، أى إلا من له مقام معلوم، وكقوله:{وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ}[المائدة: ٤١] ، أى فريق سماعون، وكقوله:{مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلَمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ}[النساء: ٤٦] أى فريق يحرفون وكقوله على أظهر القولين: {وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ}[البقرة: ٩٦] أى فريق يود أحدهم، وقال الشاعر:
فظلوا ومنهم دمعه سابق لهم وآخر يذرى دمعة العين بالمهل
أى ومنهم من دمعه. وقولهم:{كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً}[الجن: ١١] بيان لقولهم: {مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ}[الجن: ١١] أى كنا ذوى طرائق- وهى المذاهب- وأحدها طريقة وهى المذهب، والقدد جمع قدة، كقطعة وقطع وزناً ومعنى. وهى من القد وهو القطع وقيل: كنا فى اختلاف أحوالنا مثل الطرائق المختلفة فى اختلافها، وعلى هذا فالمعنى كنا طرائق قدداً وليس بشيء، وأضعف منه قول من قال: إن طرائق منصوب على الظرف، أى كنا فى طرق مختلفة كقوله:"عسل الطريق الثعلب"، وهذا مما لا يحمل عليه أفصح الكلام.
وقيل: المعنى كانت طرائقنا طرائق قدداً فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. وقال تعالى إخباراً عنهم:{وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّاالْقَاسِطُونَ}[الجن:٤٩] فالمسلمون الذين آمنوا بالله ورسوله منهم، والقاسطون الجائرون العادلون عن الحق، قال ابن عباس: هم الذين جعلوا لله أنداداً، يقال أقسط الرجل إذا عدل، فهو مقسط. ومنها:{وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}[الحجرات:٩] ، وقسط إذا جار فهو قاسط، {وَأَمَّا القَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهنَّمَ حَطَباً}[الجن: ١٥] ، قد تضمنت هذه الآيات انقسامهم إلى ثلاث طبقات: صالحين، ودون الصالحين، وكفار. وهذه