الطبقات بإزاءِ طبقات بنى دم فإنها ثلاثة: أبرار، ومقتصدون وكفار. فالصحالون بإزاء والأبرار] ، ومن دونهم بإزاءِ المقتصدين والقاسطون بإزاءِ الكفار. وهذا كما قسم سبحانه بنى إسرائيل إلى هذه الأقسام الثلاثة فى قوله:{وَقَطَّعْنَاهُمْ فِى الأَرْضِ أُمَّماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ}[الأعراف: ١٦٨] ، فهؤلاءِ الناجون منهم، من ذكر الظالمين، وهم خلف السوءِ الذين خلفوا بعدهم، ولما كان الإنس أكمل من الجن وأتم عقولاً ازدادوا عليهم بثلاثة أصناف أُخر ليس شيء منها للجن، وهم: الرسل، والأنبياءُ والمقربون. فليس فى الجن صنف من هؤلاءِ، بل حيلتهم الصلاح: وذهب شذاذ من الناس إلى أن فيهم الرسل والأنبياءَ محتجين على ذلك بقوله تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنَّ وَالإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ}[الأنعام: ١٣٠] ، وبقوله:{وَإِذ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ} إلى قوله: {مُنْذِرِينَ}[الأحقاف: ٢٩] ، وقد قال الله تعالى:{رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ}[النساء: ١٦٥] ، وهذا قول شاذ لا يلتفت إليه ولا يعرف به سلف من الصحابة والتابعين وأئمة الإسلام، وقوله تعالى:{أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ}[الأنعام: ١٣٠] ، لا يدل على أن الرسل من كل واحدة من الطائفتين، بل إذا كانت الرسل من الإنس وقد أُمرت الجن باتباعهم [صح أن يقال للإنس والجن: ألم يأتكم رسل منكم ونظير هذا] أن يقال للعرب والعجم: ألم يجئكم رسل منكم يا معشر العرب والعجم؟ فهذا لا يقتضى أن يكون من هؤلاءِ رسل ومن هؤلاء.
وقال تعالى:{وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً}[نوح: ١٦] ، وليس فى كل سماءٍ قمر. وقوله تعالى:{وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ}[الأحقاف: ٢٩] ، فالإنذار أعم من الرسالة والأعم لا يستلزم الأخص، قال تعالى:{فَلَوْلا نَفَر مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مَنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِى الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ}[التوبة: ١٢٢] ، فهؤلاءِ نذر وليسوا برسل. قال غير واحد من السلف: الرسل من الإنس، وأما الجن ففيهم النذر. قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلا رِجَالاً نُوحِى إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَي}[يوسف:١٠٩] ، فهذا يدل على أنه لم يرسل جنياً ولا امرأة ولا بدوياً، وأما تسميته تعالى الجن رجالاً فى قوله: