والمنع وكشف البلاءِ وإِرساله وتقلب الدول ومداولة الأَيام بين الناس- إِلى غير ذلك من [التصرف] فى المملكة التى لا يتصرف فيها سواه، فمراسمه نافذة كما يشاءُ {يُدَبّرُ الأمْرَ مِنَ السّمَآءِ إِلَى الأرْضِ ثُمّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مّمّا تَعُدّونَ}[السجدة: ٥] فمن أعطى هذا المشهد حقه معرفة وعبودية استغنى به. وكذلك من شهد مشهد العلم المحيط الذى لا يعزب عنه مثقال ذرة فى الأَرض ولا فى السموات ولا فى قرار البحار ولا تحت أَطباق الجبال بل أَحاط بذلك علمه علماً تفصيلياً ثم تعبد بمقتضى هذا الشهود من حراسة خواطره وإِرادته وجميع أَحواله وعزماته وجوارحه علم أَن حركاته الظاهرة والباطنة وخواطره وإِرادته وجميع أَحواله ظاهرة مكشوفة لديه علانية له بادية لا يخفى عليه منها شيء. وكذلك إِذا أشعر قلبه صفة سمعه تبارك وتعالى لأصوات عباده على اختلافها وجهرها وخفائها [وسواء] عنده من أسرّ القول ومن جهر به لا يشغله جهرُ من جهرَ عن سمعه لصوت من أَسرّ ولا يشغله.. سمع عن سمع ولا تغلطه الأصوات على كثرتها واختلافها واجتماعها بل هى عنده كلها كصوت واحد، كما أن خلق الخلق جميعهم وبعثهم عنده بمنزلة نفس واحدة
وكذلك.. إذا شهد معنى اسمه البصير جل جلاله الذى يرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء فى حندس الظلماء، ويرى تفاصيل خلق الذرة الصغيرة ومخها وعروقها ولحمها وحركتها ويرى مد البعوضة جناحها فى ظلمة الليل، وأعطى هذا المشهد حقه من العبودية بحرس حركاتها وسكناتها وتيقن أنها بمرأى منه [تبارك وتعالى] ومشاهدة لا يغيب عنه منها شئ
وكذلك إِذا شهد مشهد القيومية الجامع لصفات الأفعال وأنه قائم على كل شيء، وقائم على كل نفس [بما كسبت] ، وأنه تعالى هو القائم بنفسه المقيم لغيره القائم عليه بتدبيره وربوبيته وقهره وإيصال جزاء [المحسن إليه وجزاء المسيء إليه وأنه بكمال قيوميته لا ينام ولا ينبغى له أن] ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل، لا تأخذه سنة ولا نوم ولا يضل ولا ينسى. وهذا المشهد من أرفع مشاهد العارفين، وهو مشهد الربوبية.
وأعلى منه مشهد الإلهية الذى هو مشهد الرسل وأتباعهم الحنفاء، وهو شهادة أن لا إله إلا هو وأن إلهية ما سواه باطل ومحال، كما أن ربوبية ما سواه كذلك فلا أحد سواه يستحق أن يؤله ويعبد، ويصلى له ويسجد، ويستحق نهاية الحب مع