والتلاوة، وأَما الصدقة فعجب من العجب، وأما الجهاد والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والدعوة إِلى الله والصبر على أعداء الله سبحانه، فاللذة بذلك أمر آخر لا يناله الوصف ولا يدركه من ليس له نصيب منه، وكل من كان به أقوم كان نصيبه من الالتذاذ به أعظم، ومن غلظ فهمه وكثف طبعه عن إدراك هذا فليتأَمل إِقدام القوم على قتل آبائهم وأَبنائهم وأَحبابهم ومفارقة أَوطانهم وبذل نحورهم لأَعدائهم ومحبتهم للقتل وإيثارهم على البقاءِ وإيثار لوم اللائمين وذم المخالفين على مدحهم وتعظيمهم، ووقوع هذا من البشر بدون أَمر يذوقه من حلاوته ولذته وسروره ونعيمه ممتنع، والواقع شاهد بذلك، بل ما قام بقلوبهم من اللَّذة والسرور والنعيم أَعظم مما يقوم بقلب العاشق الذى يتحمل ما يتحمله فى موافقة رضى معشوقه، فهو يلتذ به ويتنعم به لما يعلم من سرور معشوقة به:
فيا منكراً هذا تأَخر فإِنه ... حرام على الخفاش أَن يبصر الشمسا
فمن كان مراده وحبه الله، وحياته فى معرفته ومحبته فى التوجه إِليه وذكره، وطمأْنينته به وسكونه إِليه وحده عرف هذا وأَقر به.
الأصل الثانى: كمال النعيم فى الدار الآخرة أَيضاً به سبحانه وتعالى: برؤيته وسماع كلامه وقربه ورضوانه لا كما يزعم من يزعم أَنه لا لذة فى الآخرة إِلا بالمخلوق من المأْكول والمشروب والملبس والمنكوح، بل اللّذة والنعيم التام فى حظهم من الخالق تعالى أعظم وأعظم ما يخطر بالبال أَو يدور فى الخيال، وفى دعاءِ النبى صلى الله عليه وسلم الذى رواه الإِمام أَحمد فى مسنده وابن حبان والحاكم فى صحيحيهما:"أَسْأَلُكَ لَذَّةَ الْنَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقِ إِلَى لِقَائِكَ، فِى غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَفِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ" ولهذا قال تعالى فى حق الكفار: {كَلاّ إِنّهُمْ عَن رّبّهِمْ يَوْمَئِذٍ لّمَحْجُوبُونَ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ}[المطففين: ١٥- ١٦] ، فعذاب الحجاب من أَعظم أَنواع العذاب الذى يعذب به أَعداءَه، ولذة النظر إِلى وجه الله الكريم أَعظم أَنواع اللذات التى ينعم بها أَولياؤه، ولا تقوم حظوظهم من سائر المخلوقات مقام حظهم من رؤيته وسماع كلامه والدنو منه وقربه.
وهذان الأَصلان ثابتان بالكتاب والسُّنَّة، وعليهما أَهل العلم والإِيمان، ويتكلم