والأَجل والسعادة والشقاوة فلو [جريت] إِلى سعادتى ما جريت حتى بقى بينى وبينها شبر لغلب على الكتاب فأَدركتنى الشقاوة، فما حيلة من قلبه بيد غيره يقلبه كيف يشاءُ ويصرفه كيف أَراد، إِن شاء أَن يقيمه أقامه، وإِن شاءَ أَن يزيغه أَزاغه، وهو الذى يحول بين عوارى المرءِ وقلبه، وهو الذى يثبت قلب العبد إِذا شاءَ ويزلزله إِذا شاءَ، فالقلب مربوب مقهور تحت سلطانه لا يتحرك إِلا بإِذنه ومشيئته، قال أَعلم الخلق بربه صلوات وسلامه عليه:"ما من قلب إِلا وهو بين إِصبعين من أَصابع الرحمن، إِن شاءَ أَن يقيمه أَقامه، وإِن شاءَ أَن يزيغه أَزاغه"، ثم قال:"اللَّهم مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك"، وكان أَكثر يمينه:"لا ومقلب القلوب" وقال بعض السَلَف: "مثل القلب مثل الريشة فى أَرض فلاة تقلبها الرياح ظهراً لبطن"، فما حيلة قلب هو بيد مقلبه ومصرفه، [وقل] له مشيئة بدون مشيئته، كما قال تعالى:{وَمَا تَشَآءُونَ إِلاّ أَن يَشَآءَ اللهُ رَبّ الْعَالَمِينَ}[التكوير: ٢٩] ، وروى عن عبد العزيز ابن أبى حازم عن أَبيه عن سهل بن سعد قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله عَزَّ وجَلَّ: {أَفَلاَ يَتَدَبّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىَ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ}[محمد: ٢٤] ، وغلام جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بلى والله يا رسول الله، إِن عليها لأَقفالها، ولا يفتحها إِلا الذى أَقفلها. فلما ولَى عمر بن الخطاب طلبه ليستعمله وقال:"لم يقل ذلك إِلا من عقل"، قال طاوس: أدركت ثلاثمائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: كل شيء بقدر. وقال أَيوب السختيانى: أَدركت الناس وما كلامهم إِلا: إِن قضى، إِن قدر. وقال عطاءُ عن ابن عباس فى قوله تعالى:
{إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُون}[الجاثية: ٢٩] ، قال: كتب الله أَعمال بنى آدم وما هم عاملون إِلى يوم القيامة. قال: والملائكة تستنسخ ما يعمل بنو آدم يوماً بيوم فذلك قوله: {إِنّ كُنّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}[الجاثية ٢٩] وفى الآية قول آخر: إِن استنساخ الملائكة هو كتابتهم لما يعمل بنو آدم بعد أَن يعملوه وقد يقال وهو الأَظهر: إِن الآية تعم الأَمرين، فيأْمر الله ملائكته فتستنسخ من أُم الكتاب أَعمال بنى آدم ثم يكتبونها عليهم إِذا عملوها فلا تزيد على ما نسخوه من أُم الكتاب ذرة ولا تنقصها، وقال على بن أَبى طلحة عن ابن عباس فى قوله تعالى:{إِنّا كُلّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}[القمر: ٤٩] ،