بأول أحوالها وما كانت عليه، أو يكون المراد بها الأربعين الأولى وسمى كتابة [تصويرها وتخليقها] وتقديره اعتباراً بما يئول، فيكون قوله:"صورها وخلق سمعها وبصرها" أى قدر ذلك وكتبه وأعلم به، ثم يفعله به بعد الأربعين الثالثة أو يكون المراد به- أى الأربعين- الأربعين الأولى وحقيقة التصوير فيها، فيتعين حمله على تصوير خفى لا يدركه إحساس البشر، فإن النطفة إذا جاوزت الأربعين انتقلت علقة، وحينذ يكون أول مبدإٍ التخليق فيكون مع هذا المبدإ مبدأُ التصوير الخفى الذى لا يناله الحس ثم إذا مضت الأربعون الثالثة صورت التصوير المحسوس المشاهد فأحد التقديرات الثلاثة يتعين ولا بد، ولا يجوز غير هذا البتة، إذ العلقة لا سمع فيها ولا بصر ولا جلد ولا عظم، وهذا التقدير الثالث أليق بألفاظ الحديث وأشبه وأدل على القدر، والله أعلم بمراد رسوله، غير أنا لا نشك أن التخليق المشاهد والتقسيم إلى الجلد والعظم واللحم إنما يكون بعد الأربعين الثالثة والمقصود أن كتابة الشقاوة والسعادة وما هو لاق، [كان] عند أول تخليقه. ويحتمل وجهاً رابعاً وهو أن النطفة فى الأربعين الأولى لا يتعرض إليها ولا يعتنى بشأْنها، فإذا جاوزتها وقعت فى أطوار التخليق طوراً بعد طور، ووقع حينئذ التقدير والكتابة. فحديث ابن مسعود صريح بأن وقوع ذلك بعد الطور الثالث عند تمام كونها مضغة، وحديث حذيفة بن أُسيد وغيره من الأحاديث المذكورة إنما فيه وقوع ذلك بعد الأربعين، ولم يوقت فيها البعدية بل أطلقها، وقد قيدها ووقتها فى حديث ابن مسعود، والمطلق فى مثل هذا يحمل على المقيد بلا ريب، فأخبر بما تكون النطفة بعد الطور الأول من تفاصيل شأنها وتخليقها وما يقدر لها وعليها، وذلك يقع فى أوقات متعددة، وكله بعد الأربعين الأُولى، وبعضه متقدم على بعض، كما أن كونها علقة يتقدم على كونها مضغة وكونها مضغة متقدم على تصويرها والتصوير متقدم على نفخ الروح مع ذلك، فيصح أن يقال: إن النطفة بعد الأَربعين تكون علقة ومضغة، ويصور خلقها، وتركب فيها العظام والجلد، ويشق لها السمع والبصر، وينفخ فيها الروح ويكتب شقاوتها وسعادتها. وهذا لا يقتضى وقوع ذلك كله عقيب الأربعين الأولى من غير فصل. وهذا وجه حسن جداً.
والمقصود أن تقدير الشقاوة والسعادة والخلق والرزق سبق خروج العبد إلى دار