المسألة الثانية: الإقرار بأن هذا هو الشرك الأكبر، ولكن لا يكفر به إلا من أنكر الإسلام جملة، وكذب الرسول والقرآن، واتبع يهودية أو نصرانية أو غيرهما، وهذا هو الذي يجادل به أهل الشرك والعناد في هذه الأوقات؛ وإلا المسألة الأولى قل الجدال فيها ولله الحمد لما وقع من إقرار علماء الشرك ١ بها. فاعلم أن تصور هذه المسألة تصورا حسنا يكفي في إبطالها من غير دليل خاص لوجهين.
الأول. أن مقتضى قولهم أن الشرك بالله وعبادة الأصنام لا تأثير لها في التكفير لأن الإنسان إن انتقل عن الملة إلى غيرها وكذب الرسول والقرآن فهو كافر وإن لم يعبد الأوثان كاليهود؛ فإذا كان من انتسب إلى الإسلام لا يكفر إذا أشرك الشرك الأكبر لأنه مسلم يقول لا إله إلا الله ويصلي ويفعل كذا وكذا، لم يكن للشرك وعبادة الأوثان تأثير، بل يكون ذلك كالسواد في الخلقة أو العمى أو العرج، فإن كان صاحبها يدعي الإسلام فهو مسلم وإن ادعى ملة غيرها فهو كافر، وهذه فضيحة عظيمة كافية في رد هذا القول الفظيع.
الوجه الثاني: أن معصية الرسول صلى الله عليه وسلم في الشرك وعبادة الأوثان بعد بلوغ العلم كفر صريح بالفطر والعقول والعلوم الضرورية، فلا يتصور أنك تقول لرجل ولو من أجهل الناس وأبلدهم: ما تقول فيمن عصى الرسول صلى الله عليه وسلم ولم ينقد له في ترك عبادة الأوثان والشرك مع أنه يدعي أنه مسلم متبع؟ إلا ويبادر بالفطرة الضرورية إلى القول بأن هذا كافر من غير نظر في الأدلة أو سؤال أحد من العلماء، ولكن لغلبة الجهل
١ كذا في روضة الأفكار والأفهام لابن غنام والنسخ الخطية. ووقع في بعض النسخ المطبوعة (علماء المشركين) .