أضف إلى ذلك كتب المغازي والسير وفيها المراسيل والمنقطعات وفيها ما ورد بدون إسناد، وبين ما جمعه ابن كثير آراء وأقوال لبعض كتاب السيرة والدلائل وغيرهم، وإزاء هذه الروايات والنقول كان لا بد أن يُعنى ابن كثير بنقدها سنداً ومتناً. ومجال دراستنا تلك إنما هو نقد المتن عند ابن كثير مع أن نقد الإسناد ودراسته وهو النقد الخارجي ليس مقطوع الصلة بالنقد الداخلي "نقد المتن" فاشتراط ضبط الراوي إنما يراد به صيانة متن الحديث، والوقوف على المتن ومعرفة سلامته أو نكارته سبيل للتحقق من ضبط الراوي (١) ، ودارسو الأسانيد ركزوا على قضايا في شخصياتهم لها أثر فيما يروون، فتناولوا مسألة ضبط الراوي ويقظته، ورسوخ ما حفظ في ذاكرته، ونظروا إلى مجموعة من الاعتبارات الموضوعية، لا مجرد هيئة الراوي وعبادته، ومن تلك الاعتبارات الخصائص الذهنية التي أشرنا إليها ومدى دقة الراوي وأهليته لحمل الرواية وكذلك اتجاهاته السياسية والفكرية. ولعل مما يعبر عن ذلك ما ورد عن الإمام مالك بن أنس وهو قوله:"لا يؤخذ العلم عن أربعة، ومنهم رجل له فضل وصلاح وعبادةٌ لا يعرف ما يحدث"، وروي عنه قوله: "أدركت عند هذه الأساطين سبعين (وأشار إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم) كلهم يقولون: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فما أخذت عنهم شيئاً وإن
(١) عصام البشير: أصول منهج النقد عند أهل الحديث، مؤسسة الريان، بيروت، ط٢، ١٤١٢هـ، ص:٨٩.