للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويعيرها اسما آخر.

كما يفعل المعطلة الذين لم يريدوا تنزيه الله ووصفه بالكمال وإنما أرادوا أن يحولوا بين القلوب وبين معرفة ربها، ولذلك سموا إثبات صفاته وعلوه فوق خلقه، واستواءه على عرشه: تشبيها وتجسيما وحشوا، فنفروا عنه صبيان العقول، وسموا نزوله إلى سماء الدنيا وتكلمه بمشيئته، ورضاه بعد غضبه، وغضبه بعد رضاه، وسمعه الحاضر لأصوات العباد، ورؤيته المقارنة لأفعالهم ونحو ذلك: حوادث. وسموا وجهه الأعلى ويديه المبسوطتين، وأصابعه التي يضع عليها الخلائق يوم القيامة: جوارح وأعضاء. مكرا منهم كبارا بالناس. كمن يريد التنفير عن العسل فيمكر في العبارة ويقول: مائع أصفر يشبه العذرة المائعة. أو ينفر عن شيء مستحسن فيسميه بأقبح الأسماء فعل الماكر الخادع فليس مع مخالف الرسل سوى المكر في القول والفعل.

ولقد راج مكر هؤلاء المعطلة على أصحاب القلوب المظلمة الجاهلة بحقائق الإيمان وما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فترتب على ذلك إعراضهم عن الله وعن ذكره ومحبته، والثناء عليه أوصاف كماله ونعوت جلاله، فانصرفت قوى حبها وشوقها وأنسها إلى سواه.

ومعلوم أنه لا يستقر للعبد قدم في المعرفة بل ولا في الإيمان حتى يؤمن بصفات الرب جل جلاله، ويعرفها معرفة تخرجه عن حد الجهل بربه فالإيمان بالصفات وتعرفها: هو أساس الإسلام، وقاعدة الإيمان، وثمرة شجرة الإحسان. فمن جحد الصفات فقد هدم أساس الإسلام والإيمان وثمرة شجرة الإحسان، فضلا عن أن يكون من أهل العرفان، وقد جعل الله سبحانه منكر صفاته سيء الظن به. وتوعده بما لم يتوعد به غيره من أهل

<<  <   >  >>