فقد دل ظاهر هذه الآيات الثلاث أن القرآن الكريم أنزل جملة في ليلة واحدة توصف بأنها مباركة من شهر رمضان. وهذا وصف مغاير لصفة نزول القرآن الكريم على الرسول صلى الله عليه وسلم حيث إنه من المعلوم المقطوع به أن القرآن نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم منجماً مفرقاً في نحو ثلاث وعشرين سنة حسب الوقائع والأحداث.
فتعين أن يكون هذا النزول الذي دل عليه ظاهر الآيات نزولاً آخر غير النزول المباشر على النبي صلى الله عليه وسلم. جاءت الأخبار الصحيحة بتبيين مكانه وتوصيف نزوله وأنه جملة إلى بيت العزة في السماء الدنيا، وهذه الأخبار هي:
١- قال أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي: حدثنا يزيد (يعني ابن هارون) عن داود بن أبي هند، عن عكرمة عن ابن عباس: قال: أنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في ليلة القدر، ثم أنزل بعد ذلك في عشرين سنة. وقرأ:{وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً}(الإسراء: ١٠٦)
١ أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن (٣٦٨) وانظر طبعة المغرب بتحقيق أحمد الخياطي (٢/٢٠٢) وأخرجه الحاكم في المستدرك (٢/٢٢٢) و (٢/٣٦٨) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي وأخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (١/٣٦٨) وشعب الإيمان (٢/٤١٥) رقم ٢٢٤٩، والنسائي في التفسير (٢/١٣١) رقم ٣٩٢ وقال المحقق صحيح. وأخرجه ابن جرير في تفسيره (١٥/١٧٨) و (٣٠/٢٥٨) . وانظر: فضائل القرآن للنسائي (٥٩) ، وابن الضريس (٧٢) . والمرشد الوجيز (١٤-) وذكره ابن كثير في فضائل القرآن ٦) عن أبي عبيد ثم قال: هذا إسناد صحيح.