أما المسألة الأولى: وهي زعمه أن كفار العرب الذين بعث إليهم رسول الله إنما كفروا وأشركوا؛ لأنهم اعتقدوا أن أصنامهم أرباب، تخلق وترزق، فصاحب المفاهيم يظن أن كفار العرب لم يكونوا يقولون بأن الله خالقهم، وذكر آية لقمان والزمر:{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}[لقمان: ٢٥] ، فقال: إنهم لا يعتقدون ذلك، وإنما حكى الله عنهم ما لم يعتقدوه كما مر نقله بنصه آنفاً.
وهذه المسألة أصل ضلال كثير من الخلق، وأصلها الذي سبَّب نشرها بين الناس هو منطق اليونان المذموم، ومن تتلمذ له من أهل الكلام المشؤوم، وهي القاعدة التي ارتكز عليها أتباع أولئك الأقوام في تفسير كلمة التوحيد.
والحق الذي لا مرية فيه وأطبق عليه كل العلماء وهو صريح القرآن، أن مشركي العرب في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يعتقدون أن الله خالقهم ورازقهم، فهم مقرون بتوحيد الرب بأفعاله، من الخلق والرِّزق والتدبير والإحياء والإماتة والتسخير ونحو ذلك من أفعال الرب، فلم يكونوا يعتقدون مشاركة أحدٍ له في ذلك، وهو الذي سماه العلماء:" توحيد الربوبية".
فهم مقرون بهذا التوحيد، ولم يدخلهم في الإسلام، وليسوا مقرين بتوحيد الله بأفعالهم: كالدعاء والاستغاثة والرجاء والخوف والمحبة والنذر والذبح ونحو ذلك، مما سماه العلماء:" توحيد الألوهية"، أي: توحيد العبادة.