للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته، فليس شيء أحب إليه مما أمامه، فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا حُضر بشر بعذاب الله وعقوبته فليس شيء أكره إليه مما أمامه، فكره لقاء الله وكره الله لقاءه” ١.

فالعبد إذا أحب لقاء الله سعى إلى ذلك بالإخلاص له بالعبادة، والمتابعة لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأحب الله لقاءه، وبُشر برحمة الله والجنة حين احتضاره، فيفرح ويحب لقاء الله ويحب الله لقاءه، ففي هذا الحديث صفة حال الطائفتين، المؤمنة والكافرة، في أنفسهم عند ربهم، فمن أحب لقاء الله فهو الذي أحب الله لقاءه، وكذا الكراهة، ولهذا ذكر بعض أهل العلم أن المحتضر إذا ظهرت عليه علامات السرور كان ذلك دليلاً على أنه بشر بالخير، وإذا ظهرت عليه علامات الحزن والضيق كان دليلاً على أنه بشر بالعذاب٢.

وقد أخذ بعض العلماء من هذا الحديث “أن محبة لقاء الله لا تدخل في النهي عن تمني الموت؛ لأنها ممكنة مع عدم تمني الموت كأن تكون المحبة حاصلة لا يفترق حاله فيها بحصول الموت ولا بتأخيره، وأن النهي عن تمني الموت محمول على حالة الحياة المستمرة، وأما عند الاحتضار والمعاينة فلا تدخل تحت النهي، بل هي مستحبة”٣.

وقد جاء في رواية أن عائشة رضي الله عنها قالت ـ في حديث (من أحب لقاء الله ... ) : “قد قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس بالذي تذهب إليه، ولكن إذا طمح البصر، وحشرج الصدر، واقشعر الجلد، فعند ذلك من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه”٤.


١ رواه البخاري، كتاب الرقاق، باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ح٦٥٠٧.
٢ انظر فتح الباري شرح صحيح البخاري ١١/٣٥٨.
٣ المصدر السابق ص٣٥٨- ٣٥٩.
٤ رواه النسائي، كتاب الجنائز، باب فيمن أحب لقاء الله ح١٨٣٣. وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي ٢/١٠ ح١٨٣٣.

<<  <   >  >>