للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الخامس: سؤال الرجعة إلى الدنيا عند الاحتضار]

الكافرون والمفرّطون في أمر الله تعالى يسألون الله عز وجل حال الاحتضار الرجعة إلى الحياة الدنيا؛ ليصلحوا ما كان أفسدوه في مدة حياتهم، قال تعالى عنهم: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ. لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} ١.

فالكافرون يسألون الرجعة عند الاحتضار؛ ليسلموا، والعصاة ليتوبوا ويعملوا صالحاً، فلا يجابون إلى ذلك، كما قال تعالى {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا} و {كَلَّا} حرف ردع وزجر، أي لا نجيبه إلى ما طلب ولا نقبل منه، وقوله {إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا} أي لابد أن يقولها لا محالة كل محتضر ظالم، ولو رُدّ لما عمل صالحاً ولكن يكذب في مقالته.

يقول الطبري في تفسيره للآية السابقة: “يقول تعالى ذكره حتى إذا جاء أحد هؤلاء المشركين الموت، وعاين نزول أمر الله به، قال لعظيم ما يعاين، مما يقدم عليه من عذاب الله تندماً على ما فات، وتلهفاً على ما فرط فيه قبل ذلك من طاعة الله ومسألته للإقالة: {رَبِّ ارْجِعُونِ} إلى الدنيا فرّدوني إليها، {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً} ، يقول: كي أعمل صالحاً {فِيمَا تَرَكْتُ} قبل اليوم، من العمل، فضيّعته، وفرطت فيه”٢.

ويقول السعدي: “يخبر تعالى عن حال من حضره الموت من المفرطين الظالمين أنه يندم في تلك الحال، إذا رأى مآله، وشاهد قبح أعماله، فيطلب


١ سورة (المؤمنون) ، الآيتان ٩٩ وَ ١٠٠.
٢ جامع البيان في تفسير القرآن ١٨/٤٠.

<<  <   >  >>