للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} ١، وقال: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُم} ٢، ونحو ذلك من الآيات.

نعم إن كل نفس ميتة، والسعيد الفائز من زحزح عن النار وأدخل الجنة، وأنت يا عبد الله “في وقت بين الوقتين، وهو في الحقيقة عمرك، وهو وقتك الحاضر بين ما مضى وما يستقبل، فالذي مضى تصلحه بالتوبة والندم والاستغفار، وذلك شيء لا تعب عليك فيه ولا نصب، ولا معاناة عمل شاق، وإنما هو عمل قلب، وتمتنع فيما يستقبل من الذنوب، وامتناعك ترك وراحة، ليس هو عملاً بالجوارح يشق عليك معاناته، وإنما هو عزم ونية جازمة، تريح بدنك وقلبك وسرك، فما مضى تصلحه بالتوبة، وما يستقبل تصلحه بالامتناع والعزم والنية، وليس للجوارح في هذين نصب ولا تعب، ولكن الشأن في عمرك وهو وقتك الذي بين الوقتين؛ فإن أضعته أضعت سعادتك ونجاتك، وإن حفظته مع إصلاح الوقتين اللذين قبله وبعده بما ذكر نجوت وفزت بالراحة واللذة والنعيم، وحفظه أشق من إصلاح ما قبله وما بعده، فإن حفظه أن تلزم نفسك بما هو أولى بها وأنفع لها وأعظم تحصيلاً لسعادتها، وفي هذا تفاوت الناس أعظم التفاوت، فهي والله أيامك الخالية التي تجمع فيها الزاد لمعادك، إما إلى الجنة وإما إلى النار؛ فإن اتخذت إليها سبيلاً إلى ربك بلغت السعادة العظمى، والفوز الأكبر في هذه المدة اليسيرة، التي لا نسبة لها إلى الأبد، وإن آثرت الشهوات والراحات واللهو واللعب، انقضت عنك بسرعة، وأعقبتك الألم العظيم الدائم، الذي مقاساته ومعاناته أشق وأصعب وأدوم من معاناة الصبر عن محارم الله، والصبر على طاعته، ومخالفة الهوى لأجله”٣


١ سورة الأعراف، الآية ٣٤.
٢ سورة الجمعة، الآية ٨.
٣ كتاب الفوائد ص١١٦، ١١٧

<<  <   >  >>