لا حاجة إلى القول بأني أحد المستمعين بأحاديث الأخ الشيخ علي الطنطاوي، التي يرسلها عن طريق المذياع قبيل صلاة العصر من كل يوم، حتى لا يكاد يفوتني أحدها إلا تحت الضرورة، فالشيخ، حفظه الله وبارك في حياته، قد أصبح منذ بدأ هذه الأحاديث أنيس الجماهير، إذ اقتحم على الناس مساكنهم ومشاغلهم، واجتذب اهتمامهم فألفوا صوته، واستعذبوا أسلوبه، الذي يمزج الجد باللعب، والعلم بالأدب، ويخالط مشاعرهم بما يتناول من مسائلهم ومشكلاتهم وتطلعاتهم.. بتلك اللهجة المحببة التي يطلقها على فطرتها، فتحمل المستمع – والرائي- نفحات الغوطة ومشاهد قاسيون، وذكريات دمر وبردي من دنيا الشام، دنيا الصبا والشباب والأحلام.
والله تبارك اسمه، الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، هو الذي قدر التلاقي والاقتراب في نطاق الأفكار، فقد تتقارب حتى لتجمعها الوحدة، وتتباين حتى لا يتصور بينها لقاء. وطبيعي أن يرتفع منسوب هذا وذاك بالنسبة إلى أحاديث تكاد تؤلف موسوعة يتعذر تحديدها من المعلومات والمفهومات والتقريرات والفكاهات.. وعلى الرغم من كثرة نقاط التلاقي بين أفكار الأخ الطنطاوي وأفكاري، فهناك مواقف نختلف عليها وقد يبلغ بعضها حدا يقتضي الحوار، فأكتب به إليه أو يعقب في أحاديثه عليه.. وعلى هذا السنن أراني اليوم مدفوعا لمناقشة واحدة من نقاط الاختلاف التي عرض لها في بعض أحاديثه أكثر من مرة. وقد كان علي أن أثير هذه المناقشة معه من زمان، بيد أن ظروف العمل التي تستحوذ على