الحمد لله، بعث رسوله صلى الله عليه وسلم بالهدى، ودينا لحق، ليظهره على الدين كله، وأيده بصحابة كرام، اختارهم على علم، وخصّهم بصحبته، فحملوا الأمانة، وسّلموها إلى من بعدهم من التابعين، الذين سلّموها إلى من بعدهم، وهكذا إلى أن وصلتنا نقية.
وبعد:
فقد سار الفتح الإسلامي وفق خطة راشدة مستنيرة، اتضحت معالمها على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قائد هذه الأمة، وسار عليها الخلفاء الراشدون، وخلفاء بني أمية، وبني العباس. هذه الخطة تهدف إلى تثبيت الدعوة في الداخل، وتبليغها، ومدّها في أقطار الأرض، وتعتمد المحافظة على شخصية الفرد المسلم ودمه، فلا مجازفة، ولا امتداد بالفتح، إلا بعد إقامة قواعد ثابتة للمسلمين، تتولّى إقامة حياة إسلامية، فتنطلق منها الدعوة إلى غيرها. وتبعا لذلك، فقد كانت بلاد الإسلام كلّها ثغور، وكلّ أهلها مثاغرون، فكل مسلم على ثغرة من ثغور الإسلام، كما قال صلى الله عليه وسلم:"أنت على ثغرة من ثُغَر الإسلام، فلا يؤتين من قبلك".
وأهم طرق تبليغ الدعوة: الجهاد في سبيل الله، وهو فرض على المسلمين، وكانت كل مدينة من مدن المسلمين مركزا من مراكز نشر الدعوة، ومعسكرا لمواصلة الفتوح، هذا دور المدن التي مصّرها المسلمون في العراق، والشام، وفارس، ومصر، وشمال إفريقيا، وتركستان، والهند، وآسيا الصغرى.
ومنذ العهد الأموي انتقلت مراكز الجهاد إلى الحدود، وتكفل جند الدولة بالجهاد-ذلك الجند المرصود في العاصمة دمشق، أو المقيم في الأمصار الإسلامية (كالبصرة، والكوفة، والفسطاط، والقيروان....) أو على الأطراف في الثغور. ولم يتغيّر هذا الوضع في عهد الدولة العباسية الأولى. واستمر أهل الإِيمان يخرجون للرباط في نواحي الحدود،