للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

٢١٦ هـ، وقتل نحوا من ألف وستمائة مسلم. وكتب من هناك إلى المأمون كتابا بدأ بنفسه. فعاد المأمون مسرعاً، وانطلق من طرسوس إلى بلاد الروم، وفتح هرقلة في عام ٢١٦ هـ١ واعتمد المأمون خطة الفتح المنظم فحاول أن يتقدم بالثغور إلى ما وراء طرسوس في بلاد الروم، وأن ينقل مركز ثقل الجهاد من طرسوس إلى الأمام في محاولة لمد الإِسلام في آسّيا الصغرى، فاستولى على ممرات طوروس ذات الأهمية الاستراتيجية ٢، واهتم بتمصير وبناء طوانة عام ٢١٨ هـ، وراء طرسوس٣ ولكنه توفي بالبندرون خارج طرسوس وعلى بعد أربعة مراحل، قبل أن تتم مشروعاته. فحمله ابنه العباس ونقله إلى طرسوس ودفن بها ٤.

وقام المعتصم (٢١٨-٢٢٧ هـ) بتخريب ما أمر المأمون ببنائه من طوانة، وحمل ما كان فيها من آلة وسلاح ٥. كما أمر بانسحاب الجيوش الإسلامية إلى طرسوس، وأخلت البلاد التي فتحها المأمون وراء جبال طوروس ٦. إذ رأى المعتصم أن الظروف غير مناسبة للامتداد المنظم داخل آسيا الصغرى، ونقل المدن الممصّرة إلى داخلها، وخاصة بعد اشتداد حركة بابك الخرمي والتنسيق مع الامبراطورية البيزنطيه٧. فبقيت طرسوس هي الثغر المتقدم الذي يقوم بعبء الجهاد، وقاعدة انطلاق الجهاد الإسلامي في آسيا الصغرى وسواحلها.

واستغل تيوفيل (٢١٥-٢٢٨هـ- ٨٢٩ هـ ٨٤٢ م) امبراطور الروم وفاة المأمون، واشتداد حركة بابك الخرمي، فنسق معه، وهاجم زبطرة، وأوقع بها، وأسر من المسلمات ألف امرأة، ومثل بمن وقع في أسره من المسلمين فقطع آذانهم، وسمل أعينهم٨. فهب أهل الثغور من الشام والجزيرة، إلا من لم يكنِ له دابة ولا سلاح، وبلغ ذلك المعتصم، فصاح في قصره النفير!، النفير!، ووجه عجيفاً وطائفة من الأمراء لإعانة الثغور، وتحرك بجحافل إسلامية أمثال الجبال، فقد عُبّئ جيشه تعبئة لم يسمع بمثلها، وقدم بين يديه الأمراء المعروفين بالحرب، وسار على رأسهم، فانتهى في سيره إلى نهر اللامس القريب من طرسوس في رجب عام ٢٢٣ هـ. وقسم جيشه إلى ثلاث فرق، سيّر إشناس من درب


١ الكامل ٥/ ٢٢٠، البداية والنهاية ١٠/ ٢٧٠.
٢ الأمبراطورية البيزنطية ص ١٢٤، وانظر خطة الفتح واضحة الطبري ٨/ ٦٤٥ اليعقوبي ٢/ ٤٦٥.
٣ الذهبي- سير أعلام النبلاء ١٠/٢٨٧، المعارف ١٧١ الطبري ٨/ ٦٢٥، اليعقوبي ١/ ٤٩٦.
٤ سير أعلام النبلاء١٠ / ٢٨٩، الطبري ٨/ ٦٥٠، الكامل ٥/ ٢٢٧، البداية ١٠/ ٢٨٠، القزويني ٢٢٠، الدول المنقطعة ١٥٥، تاريخ بغداد ١/٦٨.
٥ الكامل في التاريخ ٥/ ٢٣١، الأزدي ص ٤١٥.
٦ الأخبار الطوال ص ٤٠١.
٧ انظر فتحى عثمان ٢/ ١٩٥.
٨ الفخري في الآداب السلطانية ٢٠٤- ٢٠٥.

<<  <   >  >>