للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

عودي قتلته". ففرّ من أذنة أكثر من خمسين ألفاً من المسلمين، في حين أظهر أهل طرسوس من الشجاعة وشدة البلاء الشيء الكثير، وأسروا بطريقاً كبيراً من بطارقة الروم١.

وبني نقفور مدينة قيسارية، وعسكر فيها، ليقرب من بلاد الإسلام٢، وقد عزم على أن يستحوذ على البلاد الإسلامية بعد أن طمع فيها لفساد حكامها، وفساد عقائدهم في الصحابة٣.

وأدرك أهل المصيصة وطرسوس عجز البلاد الإسلامية، عن نجدتهم. فأرسلوا إلى نقفور، يبذلون له أتاوة، ويطلبون منه أن ينفذ إليهم بعض أصحابه، يقيم عندهم، ولكنه أدرك عجزهم، واشتداد الغلاء، وقد أكلوا السباع والميتة، وفتك فيهم الوباء، فكان يموت في طرسوس كل يوم نحو ثلاثمائة نفس، فأحضر نقفور الرسول، وأحرق الكتاب على رأسه، واحترقت لحيته، وقال لهم: "أنتم كالحية في الشتاء تخدر، وتذبل، حتى تكاد تموت، فإن أخذها إنسان، وأحسن إليها، وأدفأها، انقضّت ونهشته"٤.

وفي ظل هذه الأوضاع المحزنة توجه نقفور بجيوشه الجرارة عام ٣٥٣ هـ، فاحتل إذنة بسهولة، وكان قد هجرها أهلها. ودخل المصيصة عنوة في ١٣ رجب بعد حصار طويل، ووضع السيف في أهلها، فقتل منهم مقتلة عظيمة، ثم رفع السيف ونقل كل من بها إلى بلد الروم، وكانوا نحو مائتي ألف إنسان٥. واستولى بعد ذلك على كَفَرْبَيّا، وأسر كثيرا من المسلمين. وكَفَرْبَيّا مدينة بإزاء المصيصة على شاطئ جيحان٦.

وجاء دور طرسوس آخر معقل من معاقل الثغور الشامية، وقد نهكتها الحروب، وملاحم الجهاد، وتوجه إليها نقفور بقواته الهائلة، ولما وصل إلى أسوارها، أمر بأن يُساق من أسر من أهل المصيصة وكفربيا أمام أهل طرسوس الذين كانوا ينظرون من فوق الأسوار، وأمر بضرب أعناق مائة من أعيان المدينتن، بهدف إضعاف معنويات أهل طرسوس فكان أن أخرج أهل طرسوس أسرى الروم الذين عندهم، وضربوا أعناقهم على باب المدينة٧.


١ الكامل ٧/٩-١١، البداية ١١/٢٥٣، زبدة الحلب ١/ ١٤١ ابن تغري ٣/٣٣٧، تاريخ يحي بن سعيد ص ١٢٢.
٢ مسكويه- تجارب الأمم ٢/ ٢١٠، السيوطي- تاريخ الخلفاء ص ا ٤٠.
٣ البداية ١١/٢٥٣.
٤ البداية ١١/ ٢٥٥، الكامل ٧/١٣.
٥ البداية ١١/ ٢٥٥، الكامل ٧/ ١٤، تجارب الأمم ٢٠٨- ٢١٠.
٦ ياقوت- معجم البلدان ٤/٤٦٨.
٧ تجارب الأمم ٢/ ٢١١، تاريخ يحي بن سعيد ١٢٣.

<<  <   >  >>