للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فتتبع المنصور حصون السواحل ومدنها فمصّرها، وحصّنها، وبنى ما احتاج البناء منها١. وجدّد الصوائف والشواتي، فقام العباس بن محمد بن علي عام ١٣٩ هـ بالغزو على الصائفة، ومعه صالح بن علي الذي بنى ما هدمه البيزنطيون من ملطية٢.

واستعمل المنصور وسائل إغراء كثيرة لحث الجند والناس على العمل في الثغور واستيطانها منها: زيادة العطاء لكل مقاتل عشرة دنانير إضافية وتخصيص معونة قدرها مائة دينار لكل واحدا منهم، وبناء بيوت خاصة لإِقامتهم مع عوائلهم. فاستكمل المنصور مرحلة الدفاع والتحصينات.

ولإدراك المنصور لأهمية الجهاد في الثغور، لم ينس وهو على فراش الموت أن يوصي ابنه المهدي بشحن الثغور، وضبط الأطراف، إذ قال له٣:

"وليكن أهم أمورك إليك أن تحفظ أطرافك، وتسدّ ثغور.. وارغب إلى الله في الجهاد، والمحاماة عن دينك، وإهلاك عدوك، بما يفتح الله على المسلمين، ويمكّن لهم في الدين، وابذل في ذلك مهجتك، ونجدتك ومالك، وتفقّد جيوشك ليلك، ونهارك، واعرف مراكز خيلك، ومواطن رحلك، وبالله فليكن عصمتك، وحولك، وقوتك ".

وسار المهدي (١٥٨١- ١٦٩ هـ) على هذه السياسة الرشيدة بالفعل، فاستتمّ ما كان بقي من المدن والحصون وزاد في شحنها٤. فتقدمت مراكز المسلمين الثّغْريّة واقتربت من طرسوس.

وأخذ المهدي يوجه الحملات لجهاد الروم، فغزا الحسن بن قحطبة الطائي بلاد الروم عام ١٦٢ هـ، في أهل خراسان، وأهل الموصل والشام، وإمداد اليمن، ومتطوعة العراق والحجاز، ومعه مندل العنزي محدث الكوفة، ومعتمر بن سليمان البصري. ولما رجع من بلاد الروم مما يلي طرسوس، نزل في مرجها، وركب إلى مدينتها وهي خراب، فنظر إليها، وأطاف بها من جميع جهاتها، وحزر عدة من يسكنها فوجدهم مائة ألف.

ولما قدم الحسن على المهدي وصف له أمر طرسوس وما في بنائها وشحنها من غيظ العدو وكبته، وعزّ الإسلام وأهله، كما أخبره بأهمية بناء مدينة الحدث في الثغور الجزرية. فاستجاب المهدي وأمر بتمصير الحدث أولا، وأوصى ببناء طرطوس. فمصّر علي بن سليمان بن علي والي الجزيرة وقنسرين مدينة الحدث٥. قبل مدينة طرسوس.


١ فتوح البلدان ص ١٦٧.
٢ الطبري ٧/٤٩٧، الكامل في التاريخ ٥/ ٤٨٦.
٣ الطبري ٩٢/ ٣٢١، اليعقوبي ٢/ ٣٩٤، الكامل في التاريخ ٥/ ٤٤.
٤ فتوح البلدان ص ١٦٧.
٥ فتوح البلدان ص ١٧٣، قدامة بن جعفر ص ٠ ٣٢.

<<  <   >  >>