مَا تَقُولُونَ} [النساء: ٤٣] فحرّم الله السكر في أوقات الصلاة، فكان الرجل يشربها بعد صلاة العشاء فيصبح وقد زال سكره، ثم إن (عتبان بن مالك) صنع طعاماً ودعا إليه رجالاً من المسلمين فيهم (سعد بن أبي وقاص) وكان قد شوى لهم رأس بعير، فأكلوا وشربوا الخمر حتى أخذت منهم، فافتخروا عند ذلك وتناشدوا الأشعار، فأنشد بعضهم قصيدة فيها فخر قومه وهجاء الأنصار، فأخذ رجل من الأنصار لحي بعير فضرب به رأس (سعد) فشجه، فانطلق سعد إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وشكا إليه الأنصاري فأنزل الله {إِنَّمَا الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رِجْسٌ ... } إلى قوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ}[المائدة: ٩٠ - ٩١] ؟ فقال عمر: انتهينا ربنا انتهينا» .
اللطيفة الثانية: في تحريم الخمر بهذا الترتيب حكمة بليغة، وذلك أن القوم ألفوا شرب الخمر، وأصبحت جزءاً من حياتهم، فلو حرّمت عليهم دفعة واحدة لشق ذلك على نفوسهم وربما لم يستجيبوا لذلك النهي، كما تقول السيدة عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها «أول ما نزل من القرآن سورة من المفصّل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلالُ والحرام، ولو نزل أول ما نزل: لا تشربوا الخمر لقالوا: لا ندع الخمرة أبداً» .
وذلك من الخطة الحكيمة التي انتهجها الإسلام في معالجة الأمراض الاجتماعية، فقد سلك بالناس طريق (التدريج في تشريع الأحكام) فبدأ بالتنفير مه بطريق غير مباشر كما في الآية الأولى، ثم بالتنفير المباشر عن طريق المقارنة بين شيئين: شيء فيه نفع ضئيل، وشيء فيه ضرر وخطر جسيم، كما في الآية الثانية، ثم بالتحريم الجزئي في أوقات الصلاة كما في الآية الثالثة، ثم بالتحريم الكلي في جميع الأوقات كما في الآية الرابعة، فللَّه ما أدق هذا التشريع