أقول: الآية صريحة في جواز نكاح الكتابيات، وهي دليل واضح لما ذهب إليه الجمهور، ولعلّ ابن عمر كره الزواج بالكتابيات ومنع منه، خشية على الزواج أو على الأولاد من الفتنة، فإن الحياة الزوجية تدعو إلى المحبة، وربما قويت المحبة فصارت سبباً إلى ميل الزوج إلى دينها، والأولاد يميلون إلى أمهم أكثر، فربما كان هذا سبباً في تأثرهم بدين النصرانية أو اليهودية فيكون هذا الزواج خطراً على الأولاد، فإذا كان ثمة خشية من الفتنة على الزوج أو الأولاد فيكون الزواج قطعاً محرماً، وأمّا إذا لم يكن هناك خطراً، أو كان هناك طمع في إسلامها فلا وجه للقول بالتحريم والله أعلم.
الحكم الثالث: هل يجب الوضوء على غير المحدث؟
ظاهر قوله تعالى:{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصلاة} يوجب الوضوء على كل قائم وإن لم يكن محدثاً، وقد أجمع العلماء على أن الوضوء لا يجب إلا على المحدث، فيكون قيد الحدث مضمراً في الآية ويصبح المعنى (إذا قمتم إلى الصلاة وأنتم محدثون) وإنما أوّلوا الآية بهذا التأويل للإجماع على أن الوجوب لا يجب إلا على المحدث، ولأن في الآية ما يدل عليه، فإن التيمم يدل عن الوضوء وقائم مقامه، وقد قيد وجوب التيمم في الآية بوجود الحديث، فالأصل يجب أن يكون مقيداً به، ليتأتى أن يكون البدل قائماً مقام الأصل، ولأن الأمر بالوضوء نظير الأمر بالاغتسال وهو مقيد بالحدث الأكبر في قوله تعالى:{وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فاطهروا} فيكون نظيره وهو الأمر بالوضوء مقيداً بالحدث الأصغر.
ومما يدل على ذلك «أن النبي صلّى الله عليه وسلم يوم الفتح الصلوات الخمس بوضوء واحد، فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله صنعت شيئاً لم تكن تصنعه؟ فقال له عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ عمداً فعلته يا عمر» يعني أنه عليه السلام أراد بيان الجواز لأمته بهذا العمل.
وأما ما ورد من أنه عليه السلام وخلفاءه كانوا يتوضؤون لكل صلاة، فإن ذلك لم يكن بطريق الوجوب، وإنما كان بطريق الاستحباب، والرسول