وأما مالك رَحِمَهُ اللَّهُ فمذهبه أن الحدود كلها يجب أن تكون في الظهر وحجته في ذلك عمل السلف الصالح وقوله عليه السلام: لهلال بن أمية حين قذف امرأته (البينة أو حدّ في ظهرك) .
وينبغي أن يجرّد المجلود من الثياب ويضرب قائماً غير ممدود، إلا (حد القذف) فإنه يضرب وعليه ثيابه وينزع عنه الحشو والفرو، وأما المرأة فتترك عليها ثيابها وتضرب قاعدة ستراً عليها، والدلي ما روي في حديث رجم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لليهوديين، وفيه يقول الراوي (ورأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة) .
. وهذا يدل على أن الرجل كان قائماً والمرأة قاعدة والله أعلم.
الحكم التاسع: تحريم الشفاعة في الحدود.
لا تجوز الشفاعة في الحدود لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:«من حالت شفاعته دون حد من حدود الله تعالى فقد ضادّ الله عَزَّ وَجَلَّ» ولأن الحدود إنما شرعت للزجر والتأنيب، والشفاعةُ تدفع هذا المعنى ولا تحققه وقد دلت الآية الكريمة على تحريم الشفاعة وهي قوله تعالى:{وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ الله} وقد تأولها السلف على أحد وجهين:
١ - المراد منها تخفيف الحد، وهو قول سعيد بن المسيب والحسن البصري.
٢ - المراد إسقاطُ الحد، وهو قول مجاهد والشعبي.
قال ابن العربي: وهو عندي محمول عليهما جميعاً، فلا يجوز أن يحمل أحداً رأفة على زان بأن يُسْقط الحد أو يخفَّفه عنه.