لقوله تعالى:{وَلْيَعْفُواْ وليصفحوا} والأمر هنا للندب والإرشاد، وليس للوجوب، لأن الإنسان يجوز له أن يقتص ممّن أساء إليه، فلو كان العفو واجباً لما جاز طلب القصاص، ومما يدل لرأي الفقهاء قوله تعالى:{وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظالمين}[الشورى: ٤٠] وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:» لا يكون العبد ذا فضل حتى يصل من قطعه، ويعفو عمن ظلمه، ويعطي من حرمه «فيندب العفو عن المسيء لقوله تعالى: {أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ الله لَكُمْ} ؟ فعلّق الغفران بالعفو والصفح، قال الإمام الفخر: ولو لم يدل عليه إلا هذه الآية لكفى.
الحكم الثالث: هل تجب الكفارة على من حنث في يمينه؟
ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ من حلف على يمين، فرأى غيرها خيراً منها، أنه ينبغي له أن يأتي الذي هو خير، ثمّ يكفّر عن يمينه لقوله عليه السلام:» من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها، فليأت الذي هو خير، وليكفّر عن يمينه «.
فتجب الكفارة بالحنث في اليمين، سواء كان الحانث في أمر فيه خير أو غير ذلك.
وقال بعضهم: إنه يأتي بالذي هو خير وليس عليه كفارة ليمينه، واستدلوا بظاهر هذه الآية {وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُواْ الفضل مِنكُمْ} ووجه استدلالهم أن الله تعالى أمر أبا بكر بالحنث ولم يوجب عليه كفارة.
واستدلوا كذلك بقول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير وذلك كفارته» .