للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

زوجها في غزوة أحد، فبقيت هي وأيتامها الأربعة بلا كفيل ولا معيل، فلم ير عليه السلام عزاءً ولا كافلاً لها ولأولادها غير أن يتزوج بها. ولما خطبها لنفسه اعتذرت إليه، وقالت: «إني مسنّة، وإني أم أيتام، وإني شديدة الغيرة» .

فأجابها عليه السلام وأرسل لها يقول: أما الأيتام فأضمهم إليّ، وأدعو الله أن يذهب عن قلبك الغيرة، ولم يعبأ بالسنّ، فتزوجها عليه السلام بعد موافقتها، وقام على تربية أيتامها، ووسعهم قلبه الكبير، حتى أصبحوا لا يشعرون بفقد الأب، إذ عوّضهم أباً أرحم من أبيهم صلوات الله وسلامه عليه.

وقد اجتمع لأم المؤمنين النسب الشريف، والبيت الكريم، والسبق إلى الإسلام، على أنّ لها فضيلة أخرى هي (جودة الرأي) ويكفينا دليلاً على ذلك استشارة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لها في أهم ما حزَنه وأهمّه من أمر المسلمين، وما أشارت به عليه، وذلك في (صلح الحديبية) فقد تأثر المسلمون بالغ التأثر من ذلك الصلح مع المشركين، على ترك الحرب عشر سنين بالشروط التي قدَّموها، ورأوا في ذلك هضماً لحقوقهم، مع أنهم كانوا ف يأوج عظمتهم، وكان من أثر هذا الاستياء، أنهم تباطئوا عن تنفيذ أمر الرسول حين أمرهم بالحلق أو التقصير لأجل العودة إلى المدينة المنورة، فلم يمتثل أمره أحد، فدخل الرسول على زوجه (أم سلمة) وقال لها هلك الناس، أمرتُهم فلم يمتثلوا فهوّنت عليه الأمر، وأشارت عليه بأن يخرج إليهم ويحلق رأسه أمامهم، وجزمت بأنهم لا يتردّدون حينذاك عن الاقتداء به.

لأنهم يعلمون أنه صار أمراً مبرماص لا مرد له، وكذلك كان، فما أن خرج الرسول وأمر الحلاق بحلق رأسه، حتى تسابقوا إلى الاقتداء به صلوات الله عليه فحلقوا وتحلّلوا وكان ذلك بإشارة أم المؤمنين أم سلمة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها وأرضاها.

<<  <  ج: ص:  >  >>