قال: فترك المعتز الزبير، وقام يلعب مع الخدم، وقد كنت ظننت أنه قام لحاجة، فقلت ليندون: أما ترى إلى الأمير ترك شيخاً من قريش جالساً في سواده، وقام يلعب؟! لو كانت يدي مطلقةً عليه لأوجعته ضرباً، فقام إليه يندون ليضربه فهرب منه المعتز، فلم يزل يراوغه حتى سقط في عثرة، فدميت رجله، ففزعنا وبادرنا إليه وقال له الزبير: يا سيدي لو أعلمتني أنك قد ضجرت لقمت ولم أوذك فقال المعتز: لا بأس هوّن عليك وأنشد:
يُصابُ الفتىَ من عَثرةٍ بلسانه ... وليس يصابُ المرءُ من عثرة الرجلِ
قال أبو الفضل: فحدثت بهذا الحديث أبا عبد الله بن حمدون فقال لي: أنا أحدثك عن أبيه المتوكل بنحوٍ من هذا، كنا عنده في اليوم الذي قتل في ليلته، فقام لحاجة، فلما رجع قمنا، والمنتصر جالس، فلما قرب منه قام، فنظر إليه المتوكل وقال له: اجلس يا محمد، وأقبل علينا فقال:
هُم سَمَّنوا كَلباً ليأكل بعضَهُم ... ولو أخذوا بالحزم ما سمَّنوا كلباً
قال أبو عبد الله: فوالله ما صلينا عتمة من تلك الليلة والمتوكل من أهل الدنيا.
ونرجع إلى ما كنا فيه فنقول: قد كان يجب أن نقدم بين يدي هذا القول الرغبة الى الله في المعافاة من سورة الغضب ومن غشية الأنف، ومن البلوغ في طاعة الحنق إلى ما يردي الحلم، وإلي ما يهزم الرأي، وإلى ما يزين إطلاق اليد واللسان بما يجنى منه الندم بعد ساعة فعله، ويوجد منه الأسف واللهف غب يوم كونه، وقد ينجد على اماتة الغيظ وقتله، وينفع في تَمصُّل الحقد وذوبه أن تكون النفس كاملة وقوراً، وبأمور الزمن عروفاً، وان يكن اللسان حديداً والقلب شديداً، فإن كمال الآلة يحبب الاقالة، وعلوَّ القدرة يزين التكرم والترفع عن المعاقبة، وقد قال قائل مجرب:
كُنْ حاقداً ما دُمتَ ليتَ بقادر ... فإذا قَدِرْت فخلّ حقدكَ واغفر
واعذُرْ أخاك إذا أساءَ فَرُبَما ... لجّتْ إساءتهُ إذا لم تَعذُرِ