وكثيراً ما يقطع بالمخاطب عيه فيفزع إلى السّفه، يتل الغبيّ البئ حصره فيطلب إخفاء أمره بالشغب، وذلك أخفض المواقف، والأم الهزائم وقال علقمة بن علاثة في نحو من هذا المعنى: أول العيّ الاختلاط، وأسوء القول الإفراط هاهنا الاضطراب لشدة الغضب، فأما إذا أيقن أنه التام الحسنى، والموفور للعلى فهو عند نفسه البحر الذي يلتهم كل ما ألقي فيه وهو ساج ساكن والطود الذي يحتمل كل ما نيط به وهو قار ثابت فيعود طريقه إلى الاحتمال دميثاً، وعذره في الأعضاء - عند نفسه - واضحاً جميلاً. جعلنا الله ممن يقيم لطبيعته المعاذير في الأقصار عن الرذائل، كما يقيم الحجيج عليها في القصور عن الفضائل، ولا جعلنا ممن يمهد لنفسه العلل في هجران الخير لصعوبة طريقه. ويخرج لها الأسباب في إتيان الشر لإعتنانه، واتفاق عروضه، وقد قال الشاعر:
فلا تعذريني في الإساءة إنه ... شرار الرجال من يسيء فيعذر
وتجزع نفس المرء من سب مرةٍ ... وتسمع ألفا مثلها ثم تصبر
وقال آخر:
وعذرك في القبائح مستتب ... وليس الناس كلهم يلام
وقال العبدي:
عذرك عندي لك مبسوط ... والذنب عن مثلك محطوط
ليس بمسخوط فعال امرئٍ ... كل الذي يأتيه مسخوط
وينشد أصحاب المعاني:
فخذ القليل من اللئيم وسبه ... إن اللئيم بما أتى معذور
قالوا: وليس هذا العذر في شيء، وإنما يريد أن اللئيم يسب بما يأتيه فيجعل وسما على وجهه كالعذار وقد يجوز أن يكون من العذر، وتأويله ذم اللئيم فإنه عند نفسه معذور، فذلك أوجب للوم عليه، لأنه لو استقصر فعله لدل على أنه أعطى قليلاً من نية مكثرة لو استطاعت.