فأما البدوي فإنه جعل المعاذير من أفعال المريب فقال:
وربت منطقٍ حسن أحيلت ... معايبه فعد من الذنوب
فلا عذري يرد علي شيئاً ... وكر العذر من فعل المريب
فبذنبي حاضر لا شك في فيه ... لسامعه، وعذري بالمغيب
وهذا البيت الأخير تمثل به عبد الحميد بن يحيى العامري صاحب البلاغة، ورئيس هذه الصناعة. ويكفيك من مذمة العذر أنهم أشقوا منه اسماً لشكاسة الخلق، ولظهور البخل، فقالوا: رجل عذور إذا كان سيئ الخلق كثير الاعتذار عند المنع، قالت الشاعرة:
إذا نزل الأضياف كان عذوراً ... على الحي حتى تستقل مراجله
وحسبك من نقيصة العذر أنه والملامة مقترنان، وأنه لا يوجد إلا مع التثريب في مكان واللوم الذي هو رديفه ومتكلفه هو الموت عند العقلاء، ولا سيما إذا ورد من العقلاء، ويعجبنيس قول البدوي:
وإني أحب الخلد لو أستطيعه ... وكالخلد عندي أن أموت ولم ألم
ومثله قول الحادرة:
فأثنوا علينا لا أبا لأبيكم ... بأحسابنا إن الثناء هو الخلد
والمعاذير صفو الكذب، كما أن الحجج صفو الحق وذاك أنه ليس يخلص في العذر من الأكاذيب إلا أشبهها بالحق، ولا يخلص في الحجة من الحق إلا أبعده شبهاً من الباطل، هذا إذا كانت حجة على الحقيقة، وكانت نتيجة عن مقدمات صادقة، فأما اللحن بإسكات الخصم واللدد يوم المقامة والحفل، فقد يكون بالحق والباطل كما قال الشاعر - وهو مليح ابن