وهم أمرؤ القيس والنابغة وزهير والأعشى، فجمعت إلى أسم كل شاعر منهم أسماء من يشاكله، وأخبرت عن قبيلة كل واحد من الأصل والمضاف، بمختار أشعارها ومحاسن أخبارها، فتهيا لي من الشعراء زيِّد على ستين شاعراً، وإذا ورد المختار من أشعار قبائل هؤلاء على وفور عددهم مع ما يتعلق بهم من ملح الأناشيد، وطرف المقاطيع، ومعارف الأخبار، كان جمهور علم العرب من أخبارها وأشعارها وأنسابها مع لهوةٍ من غرائب اللغة التي تجمع بين الأغراب والإحسان، إذ كان الغريب حوشيُّ لا يستعمل، وعاديُّ لا يطلب، ولو أنني اقتصرت على أسماء هؤلاء الشعراء لكان غريباً عجيباً، لأنه لا شيء أحسن ولا آنق من أن يجري ذكر امرئِ القيس فنذكر بضعة عشر شاعراً على هذا الاسم، ونذهب في ملح أخبارهم وبارع أشعارهم، وكذلك في النوابغ والأزاهر، فأما العشو فنحو ثلاثين شاعراً، ولكنني لو فعلت ذلك لما تعديت الدلالة على شدة بحثي وطول استثارتي مدافن هذه العلوم، دون إيراد ما يغزر به إمتاع القارئ ويكون ثروة للحافظ المذاكر، كما صنع أبو عبد الله محمد بن داود بن الجراح - رحمه الله - فإن صنع كتاب " العمرين " فأتى بإشارات دالةٍ على معرفته دون أن يقرن بذلك ما يلذ الناظر بعلمه، ولم أظن أنني بقيت في الاختيار متعللاً، لأنني كنت أختار البارع من أبيات القصيدة، ثم ألقيها جانباً مدة أيام، وأعاود النظر فيها برأي سالم، وباختيار شابِّ واعٍ، فأختار من ذلك المختار ما أرى إيراده، فيكون إبريزنارين.
واعتمادنا في تفسير الغريب موافقة أغراض المتوسط في الأدب، إذ كان المبتدئ إلى غير هذا الكتاب أحوج، إلا في مواضع، رأينا أن تفسيرها وإن كانت معروفة شرك لذكر فائدة لا نرى إدماج ذكرها فنكون في ذلك كما قال البدوي:
وأمضي إلى الأرض التي من ورائكم ... لأعذر في إتيانكم حين أرجع