ومما يقوي ذلك أن يعرب بن قحطان إنما سمي يعرب لأنه أول من عدل لسانه من السريانية إلى العربية في قول القحطانية، وقولنا للأمة التي يقع فيها الأعراب: عرب، كقولنا: فلان ضارب، إخباراً بأن الضرب وقع منه، لأنا لا نرى أن الأسماء مشتقة من الأفعال، على ما يذهب إليه قوم يخالفهم البصريون، بل نرى أن الأسماء والأفعال مشتقة من المصادر، على أنه قد يكون في الأسماء ما يشتق من الاسم دون المصدر، على حد قولك: أستحجر الطين، وأستنوق الجمل، وتأله الرجل، فعل الأفعال المقربة إلى الإله، كما قال: سبحن واسترجعن من تألَّهي واستقصينا ذلك كله في مواضعه من غير هذا الكتاب، وبالله التوفيق. هذا أحسن ما يفسر به اشتقاق العرب عندي، ولو كنا نقتصر على ما نتيقن صحته لكفانا هذا الوجه، إلا أنا لإيثار ناشفاء صدر القارئ وترك الاختيار في أقوال الخلف نورد ما يحضرنا ذكره من الوجوه في اشتقاق العرب وهي ثلاثة عشر وجهاً: فالأول ما ذكرته.
والثاني: أن العربي منسوب إلى العرب، والعرب جمع عارب، كالغيب جمع غائب، والعارب الذي أتى عربة وهي جزيرة العرب، كما يقال: جلس فهو جالس إذا أتى جلساً، وهي نجد، وغار فهو غائر إذا أتى الغور.
والعرب أيضاً جمع عارب كحايل وحول، وغائط وغوط، إلا أنه لا ينسب إلى العرب، لا يقال في كلامهم عربي، وكان العرب ورد مطابقة للعجم، كما أن العرب بازاء العجم، وكما يقال خُشْبٌ وخَشَبُ.
والعجم اسم للجنس، وله اشتقاق يطول ذكره في هذا الموضع، والعجم جمع أعجم. والعرب وإن كان جمعاً كما ذكرناه فإنهم لم يروا أن يتصرفوا فيه بواحد يوردونه له، لأنهم لو قالوا: عارب لجاز أن يدل على أنه فاعل فعلاً من أحد الأقوال التي ذكرناها أن اشتقاق العرب