العقل أولى بأن يسمى نوراً من العين الظاهرة لرفعة قدره عن النقائص السبع وهو أن العين لا تبصر نفسها، والعقل يدرك غيره ويدرك صفات نفسه: إذ يدرك نفسه عالماً وقادراً: ويدرك علم نفسه ويدرك علمه بعلم نفسه وعلمه بعلمه بعلم نفسه إلى غير نهاية. وهذه خاصية لا تتصور لما يدرك بآلة الأجسام. ووراءه سر يطول شرحه.
والثانى أن العين لا تبصر ما بَعُد منها ولا ما قرب منها قرباً مفرطاً: والعقل يستوى عنده القريب والبعيد: يعرج في تطريفة إلى أعلى السماوات رقياً، وينزل في لحظة إلى تخوم الأرضين هوِياً. بل إذا حقت الحقائق (و ٣ـ ب) يكشف أنه منزه عن أن تحوم بجنبات قدسه معانى القرب والبعد الذى يفرض بين الأجسام، فإنه أنموذج من نور الله تعالى، ولا يخلو الأنموذج عن محاكاة، وإن كان لا يرقي إلى ذروة المساواة. وهذا ربما هزك للتفطن لسر قوله عليه السلام "إن الله خلق آدم على صورته" فلست أرى الخوض فيه الآن.
الثالث أن العين لا تدرك ما وراء الحجب، والعقل يتصرف في العرش والكرسى وما وراء حجب السماوات، وفي الملأ الأعلى والملكوت الأسمى كتصرفه في عالمه الخاص ومملكته القريبة أعنى بدنه الخاص. بل الحقائق كلها لا تحتجب عن العقل. وأما حجاب العقل حيث يحجب فمن نفسه لنفسه