وما لم نعدّها، وهو الأكثر: فيتصرف في جميعها ويحكم عليها حكماً يقينياً صادقاً. فالأسرار الباطنة عنده ظاهرة، والمعانى الخفية عنده جلية. فمن أين للعين الظاهرة مساماته ومجاراته في استحقاق اسم النور؟ كلا إنها نور بالإضافة إلى غيرها؛ لكنها ظلمة بالإضافة إليه. بل هى جاسوس من جواسيسه؛ وكله بأخس خزائنه وهى خزانة الألوان والأشكال لترفع إلى حضرته أخبارها فيقضى فيها بما يقتضيه رأيه الثاقب وحكمه النافذ. والحواس الخمس جواسيسه. وله في الباطن جواسيس سواها من خيال ووهم وفكر وذكر وحفظ؛ ووراءهم خدم وجنود مسخرة له في عالمه الخاص يستسخرهم ويتصرف فيهم استسخار الملك عبيده بل أشد. وشرح ذلك يطول.
وقد ذكرناه في كتاب "عجائب القلب" من كتب الإحياء.
السادس أن العين لا تبصر ما لا نهاية له، فإنها تبصر صفات الأجسام والأجسام لا تتصور إلا متناهية.
والعقل يدرك المعلومات؛ والمعلومات لا يتصور أن تكون متناهية. نعم إذا لاحظ العلوم المفصلة فلا يكون الحاضر الحاصل عنده إلا متناهياً. لكن في قوته إدراك ما لا نهاية له. وشرح ذلك يطول. (و ٤ـ ب) فإن أردت له مثالاً فخذه من الجليات، فإنه يدرك الأعداد ولا نهاية لها؛ بل يدرك تضعيفات الاثنين والثلاثة وسائر الأعداد ولا يتصور لها نهاية. ويدرك أنواعاً من النسب بين الأعداد لا يتصور التناهى عليها: بل يدرك علمه بالشىء وعلمه بعلمه بالشىء،