القضايا الضرورية في الواجبات والجائزات والمستحيلات. ومنها ما لا يقارن العقلَ في كل حال إذا عرض عليه بل يحتاج إلى أن يهز أعطافه ويستورى زناده وينبه عليه بالتنبيه كالنظريات. وإنما ينبهه كلام الحكمة. فعند إشراق نور الحكمة يصير العقل مبصراً بالفعل بعد أن كان مبصراً بالقوة. وأعظم الحكمة كلام الله تعالى. ومن جملة كلامه القرآن خاصة، فتكون منزلة آيات القرآن عند عين العقل منزلة نور الشمس عند العين الظاهرة إذ به يتم الإبصار. فبالحرِىّ أن يسمى القرآن نوراً كما يسمى نور الشمس نوراً (و ٥ـ ب) فمثال القرآن نور الشمس ومثال العقل نور العين. وبهذا نفهم معنى قوله:{فَآمِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ والنور الذي أَنزَلْنَا} ، وقوله:{قَدْ جَآءَكُمْ بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً} .
تكملة هذه الدقيقة
فقد فهمت من هذا أن العين عينان: ظاهرة وباطنة: فالظاهرة من عالم الحس والشهادة، والباطنة من عالم آخر وهو عالم الملكوت. ولكل عين من العينين شمس ونور عنده تصير كاملة الإبصار إحداهما ظاهرة والأخرى باطنة؛ والظاهرة من عالم الشهادة وهى الشمس المحسوسة. والباطنة من عالم الملكوت وهو القرآن وكتب الله تعالى المنزلة.
ومهما انكشف لك هذا انكشافاً تاماً فقد انفتح لك أول باب من أبواب الملكوت. وفي هذا العالم عجائب يستحقر بالإضافة إليها عالم الشهادة. وإن من لم يسافر إلى هذا العالم، وقعد به القصور في حضيض