إذا عرفت أن الأنوار لها ترتيب فاعلم أنه لا يتسلسل إلى غير نهاية، بل يرتقى إلى منبع أول هو النور لذاته وبذاته، ليس يأتيه نور من غيره. ومنه تشرق الأنوار كلها على ترتيبها. فانظر الآن اسم النور أحق وأولى بالمستنير المستعير نوره من غيره، أو بالنّير في ذاته المنير لكل ما سواه؟ فما عندى أنه يخفى عليك الحق فيه. وبه يتحقق أن اسم النور أحق بالنور الأقصى الأعلى الذى لا نور فوقه، ومنه ينزل النور إلى غيره.
حقيقة
بل أقول ولا أبالى إن اسم النور على غير النور الأول مجاز محض: إذ كل ما سواه إذا اعتبر ذاته فهو في ذاته من حيث ذاته لا نور له: بل نورانيته مستعارة من غيره ولا قوام لنورانيته المستعارة بنفسها، بل بغيرها. ونسبة المستعار إلى المستعير مجاز محض. أفَتَرَى أن من استعار ثياباً وفرساً ومركباً وسرجاً، وركبه في الوقت الذى أركبه المُعيِر، وعلى الحد الذى رسمه، غنى بالحقيقة أو بالمجاز؟ وأن المعير هو الغنى أو المستعير؟ كلا، بل المستعير فقير في نفسه (و ٧ـ ب) كما كان. وإنما الغنى هو المعير الذى منه الإعارة والإعطاء، وإليه الاسترداد والانتزاع. فإذن النور الحق هو الذى بيده الخلق والأمر، ومنه الإنارة أولاً والإدامة ثانياً. فلا شركة لأحد معه في حقيقة هذا الاسم ولا في استحقاقه إلا من حيث يسميه به ويتفضل عليه بتسميته تفضل المالك على عبده إذا أعطاه مالاً ثم سماه مالكاً. وإذا انكشف للعبد الحقيقة علم أنه وماله لمالكه على التفرد لا شريك له فيه أصلاً وألبتة.