للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

قلت: لمن هذا الشعر؟ قال: للأعشى. ثم توارى من عيني فلم أره.

ومعنى قوله: (إلا لتضربي بسهميك): ما بكت إلا لتجرحي قلبا معشرا، أي مكسرا. يقال برمة أعشار

وقدح أعشار، إذا كان قطعا. ولم يسمع للأعشار بواحد. يقول: بكيت لتجعلي قلبي مقطعا مخرقا

فاسدا، كما يخرق الجابر أعشار البرمة، والبرمة تنجبر والقلب لا ينجبر. ومثله قوله، هو للمرقش

الأصغر:

رمتْكَ ابنةُ البكريِّ عن فرعِ ضالةٍ ... وهنّ بنا خُوصٌ يُخلَن نعائما

أي نظرت إليك فأقرحت قلبك، وليس أنها رمتك بسهم. وقال غير الأصمعي: إنما هذا مثل لأعشار

الجزور، وهي تقسم على عشرة أنصباء. وقوله (بسهميك)، يريد المعلى وله سبعة أنصباء، والرقيب

وله ثلاثة أنصباء. فأراد أنك ذهبت بقلبي أجمع. والمقتل: المذلل. يقال: بعير مقتل، أي مذلل. وهذا

مثل. وروى أبو نصر عن الأصمعي إنه قال: معناه دخل حبك في قلبي كما يدخل السهم. يقول: لم

تبكي لأنك مظلومة، وإنما بكيت لتقدحي في قلبي، كما يقدح القادح في الأعشار.

(وبَيضَةِ خِدْرٍ لا يُرامُ خِباؤُها ... تَمتَّعْتُ مِن لَهْوٍ بهَا غَيْرَ مُعْجَلِ)

معناه: رب بيضة خدر، أي رب امرأة كأنها بيضة في خدرها، شبهها بها لصفائها ورقتها. وقوله:

(لا يرام خباؤها) معناه لعزها لا يتعرض لخبائها. والخباء: ما كان على عمودين أو ثلاثة. والبيت: ما

كان على ستة أعمدة إلى التسعة. والخيمة من الشجر. وإنما شبهها ببيضة في خدرها لأنها مخدرة

مصونة مكنونة لا تبرز للشمس، ولا تظهر للناس، فشبهها بالبيضة لصفائها وملاستها. ويقال: شبهها

ببيضة النعام. وقوله: (تمتعت من لهو بها غير معجل) معناه: وصلت إليها وتمتعت على تمهل

وتمكث، لم أعجل ولم أعر. ويقال معنى قوله: (غير معجل) غير خائف، أي لم يكن ذلك مما كنت

أفعله مرة ولا مرتين.

ولا يرام خباؤها صلة البيضة، والخبياء اسم ما لم يسم فاعله، ومن صلة تمتعت، وبها صلة لهو،

وغير معجل منصوب على الحال من التاء.

<<  <   >  >>