للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ قَالُوا: الزِّيَادَةُ فِي الْإِيمَانِ الِازْدِيَادُ مِنَ الْيَقِينِ.

وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنْ قَالُوا: إِنَّ الْإِيمَانَ لَا يَزْدَادُ أَبَدًا، وَلَكِنِ النَّاسُ يَزْدَادُونَ مِنْهُ.

وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ لَمْ أَجِدْ لَهَا مُصَدِّقًا فِي تَفْسِيرِ الْفُقَهَاءِ، وَلَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، فَالتَّفْسِيرُ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ مُعَاذٍ حِينَ قَالَ: "اجْلِسْ بِنَا نُؤْمِنُ سَاعَةً"، فَيُتَوَهَّمُ عَلَى مِثْلِهِ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَعْرِفِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَمَبْلَغَ رُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا إِلَّا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ ، وَقَدْ فَضَّلَهُ النَّبِيُّ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فِي الْعِلْمِ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، ثُمَّ قَالَ: "يَتَقَدَّمُ الْعُلَمَاءُ بِرِتْوِهِ"؟ (٤٦)

هَذَا لَا يَتَأَوَّلُهُ أَحَدٌ يَعْرِفُ مُعَاذًا.

وَأَمَّا فِي اللُّغَةِ: فَإِنَّا لَمْ نَجْدِ الْمَعْنَى فِيهِ يَحْتَمِلُ تَأْوِيلَهُمْ، وَذَلِكَ كَرَجُلٍ أَقَرَّ لَهُ رَجُلٌ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لَهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ بَيَّنَهَا، فَقَالَ: مِائَةٌ مِنْهَا فِي جِهَةِ كَذَا، وَمِائَتَانِ فِي جِهَةِ كَذَا، حَتَّى اسْتَوْعَبَ الْأَلْفَ، مَا كَانَ هَذَا يُسَمَّى زِيَادَةً، وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ: تَلْخِيصٌ وَتَفْصِيلٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يُلَخِّصْهَا، وَلَكِنَّهُ رَدَّدَ ذَلِكَ الْإِقْرَارَ مَرَّاتٍ، مَا قِيلَ لَهُ زِيَادَةٌ أَيْضًا، إِنَّمَا هُوَ تَكْرِيرٌ وَإِعَادَةٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يُغَيِّرِ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ، وَلَمْ يَزِدْ فِيهِ شَيْئًا.

فَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا: يَزْدَادُ مِنَ الْإِيمَانِ، وَلَا يَكُونُ الْإِيمَانُ هُوَ الزِّيَادَةُ، فَإِنَّهُ مَذْهَبٌ غَيْرُ مَوْجُودٍ، لِأَنَّ رَجُلًا لَوْ وَصَفَ مَالَهُ فَقِيلَ: هُوَ أَلْفٌ، ثُمَّ قِيلَ: إِنَّهُ ازْدَادَ مِائَةً بَعْدَهَا، مَا كَانَ لَهُ مَعْنًى يَفْهَمُهُ النَّاسُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمِائَةُ هِيَ الزَّائِدَةُ عَلَى الْأَلْفِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَشْيَاءِ، فَالْإِيمَانُ مِثْلُهَا، لَا يَزْدَادُ النَّاسُ مِنْهُ شَيْئًا، إِلَّا كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ هُوَ الزَّائِدُ فِي الْإِيمَانِ.

وَأَمَّا الَّذِينَ جَعَلُوا الزِّيَادَةَ ازْدِيَادَ الْيَقِينِ فَلَا مَعْنًى لَهُمْ، لِأَنَّ الْيَقِينَ مِنَ الْإِيمَانِ، فَإِذَا كَانَ الْإِيمَانُ عِنْدَهُمْ كُلُّهُ بِرُمَّتِهِ إِنَّمَا هُوَ الْإِقْرَارُ، ثُمَّ اسْتَكْمَلَهُ هَؤُلَاءِ الْمُقِرُّونَ


(٤٦) أي برمية سهم. والحديث رواه ابن سعد عن محمد بن كعب والحسن البصري مرسلًا مرفوعًا، وهو وابن عساكر عن عمر موقوفا، والحاكم عن أنس موقوفًا، ورفعه الطبراني فالحديث صحيح بمجموع الطرق.

<<  <   >  >>